الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصادر
النظم الإسلامية
إعداد الدكتور / حسين مطاوع الترتوري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الهادي الأمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فهذا بحث في التعريف بمصادر النظم الإسلامية: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدولية والقضائية والإدارية. وهذه المصادر هي القرآن الكريم والسنة النبوية والاجتهاد.
أولا: القرآن الكريم
وفيه المباحث التالية:
الأول: تعريفه وجمعه.
الثاني: أنواع الأحكام التي اشتمل عليها.
الثالث: دلالة آياته.
الرابع: خصائص أحكامه.
تعريف القرآن وجمعه:
القرآن مصدر للفعل (قرأ) بمعنى جمع (1). ويأتي القرآن بمعنى القراءة
(1) انظر لسان العرب مادة (قرأ)
ومن ذلك قوله تعالى:
{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} (1){إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} (2){فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (3).
ويمكن أن نعرف القرآن بما يمتاز به ويبين خصائصه فنقول هو: كلام الله المعجز المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين، المتعبد بتلاوته، المكتوب في المصاحف من سورة الفاتحة إلى سورة الناس، المنقول إلينا بالتواتر.
وقد نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم منجما في ثلاث وعشرين سنة، ثلاث عشرة سنة بمكة وعشر سنين بالمدينة، قال تعالى:{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} (4).
وكان صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن حفظه وعلمه أصحابه ليحفظوه في صدورهم وليكتبوه بحسب طرق الكتابة المعروفة لديهم. فكان القرآن محفوظا في الصدور وفي السطور معا والأساس في حفظه في ذلك الوقت حفظه في الصدور لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأمته أميون قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} (5).
ولعدم تيسر أدوات الكتابة في زمانهم، وهذه من مزايا أمة محمد صلى الله عليه وسلم (6).
ومن هنا كثر الصحابة الذين كانوا يحفظون القرآن ولا أدل على ذلك من أن قتلى معركة اليمامة من حفظة القرآن كانوا سبعين وقتلى بئر معونة كانوا مثلهم (7).
واتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم كتبة للوحي يكتبونه فيما تيسر لديهم من العسب
(1) سورة القيامة الآية 16
(2)
سورة القيامة الآية 17
(3)
سورة القيامة الآية 18
(4)
سورة الإسراء الآية 106
(5)
سورة الجمعة الآية 2
(6)
انظر دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة لموريس بوكاي ص 17 وما بعدها
(7)
مناهل العرفان للزرقاني 1/ 242
واللخاف والرقاع وقطع الأديم وعظام الأكتاف والأضلاع، ويضعون ما يكتبون عند النبي صلى الله عليه وسلم مرتبا في موضعه كما يأمرهم بذلك صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث عن ابن عباس أنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزلت عليه سورة دعا بعض من يكتب فقال: ضعوا هذه السورة في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا (1)» .
وكان ممن اتخذهم الرسول صلى الله عليه وسلم لكتابة القرآن أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبان بن سعيد، وخالد بن الوليد، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت (2).
وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن محفوظ في صدور عدد كبير من الصحابة ومكتوب عند بعضهم.
وفي خلافة أبي بكر الصديق حصلت معركة اليمامة سنة اثنتي عشرة للهجرة بين المسلمين والمرتدين من أتباع مسيلمة الكذاب، واستشهد في هذه المعركة كثير من قراء الصحابة وحفظة القرآن، فهال ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأقنع أبا بكر بضرورة جمع القرآن، وعهد أبو بكر بهذه المهمة لزيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين (3).
وما فعله أبو بكر ليس استحداثا في الدين بل عمل بمصلحة وهي
(1) مناهل العرفان للزرقاني 1/ 247، إعجاز القرآن للرافعي ص32
(2)
مناهل العرفان للزرقاني 1/ 246
(3)
انظر هذه القصة في صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن 6/ 98
حفظ الدين، وجمع القرآن وإن لم يرد به دليل جزئي يشهد له إلا أن هناك جملة نصوص وعدة أدلة شهدت لجنس هذه المصلحة، وهي حفظ الدين.
وحفظ القرآن الذي جمعه زيد بن ثابت في بيت أبي بكر الصديق إلى أن توفي سنة 13هجرية، وصارت الصحف بعده إلى أمير المؤمنين عمر إلى أن توفي سنة 23هجرية، ثم انتقلت الصحف إلى بيت حفصة بنت عمر أم المؤمنين ثم إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وفي زمن عثمان رضي الله عنه انتشر الصحابة - رضوان الله عليهم - في الأمصار ينشرون دعوة الله ويعلمون الناس القرآن وأحكام الدين الإسلامي. وتأثر كل بلد بالصحابي أو الصحابة الذين وصلوه. فأهل العراق مثلا تأثروا بابن مسعود وعلي بن أبي طالب فأكثروا من الرأي والقياس عند عدم وجود النص. وكذا في قراءة القرآن تعلم كل أهل بلد القرآن من الصحابة الذين كانوا بينهم فأخذ أهل دمشق وحمص عن المقداد بن الأسود وأهل الكوفة عن ابن مسعود، وأهل البصرة عن أبي موسى الأشعري، وقرأ كثير من أهل الشام بقراءة أبي بن كعب.
وكان الصحابة الذين ذكروا أخذوا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه كان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة وكلهم يقرأ ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فإن اختلافهم هذا كان ضمن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن. لكن أهل البلاد المفتوحة ما كانوا يعرفون هذه الأحرف السبعة حتى يتحاكموا إليها.
وكان يتجمع في بعض الغزوات كثير من المسلمين بعضهم يقرأ قراءة لم يتعلمها الآخر وظهر هذا جليا في غزوة أرمينية وخشي حذيفة بن اليمان أن يختلف المسلمون ففزع إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه واقترح عليه جمع القرآن وشرح الله صدر عثمان لاقتراح