الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمكتبة الإسلامية زاخرة بالكتب التي تكلمت عن الرجال وحالهم ومن ينظر في هذه الكتب يدرك شدة اهتمام العلماء وتحريهم في معرفة الرواة.
حجية السنة:
اتفق علماء الأمة على أن السنة بمجموعها حجة ومصدر من مصادر الأحكام واستدلوا على ذلك بثلاثة أدلة: الكتاب، وإجماع الصحابة، والمعقول.
أما الكتاب فقد وردت آيات في القرآن الكريم تدل على حجية السنة ومن ذلك: (1):
1 -
قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (2){إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (3).
2 -
قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (4).
3 -
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} (5).
4 -
قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (6).
5 -
قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (7).
(1) الرسالة للشافعي ص73 - 75، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1/ 108 - 110.
(2)
سورة النجم الآية 3
(3)
سورة النجم الآية 4
(4)
سورة الحشر الآية 7
(5)
سورة النساء الآية 59
(6)
سورة النحل الآية 44
(7)
سورة النور الآية 63
6 -
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (1).
7 -
قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (2).
8 -
قوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (3).
9 -
10 -
فهذه الآيات جميعها تدل على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فهي تثبت حجية السنة قطعا.
وأما الصحابة فإنهم لم يفرقوا بين حكم ثبت بالقرآن وبين حكم ثبت بالسنة فهم يعملون بهما جميعا، «فهذا أبو بكر يقول للجدة التي جاءت تسأله نصيبها في الميراث: "مالك في كتاب الله من شيء، وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من شيء، ولكن أسأل الناس، فسألهم، فقام المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة فشهدا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس (6)».
(1) سورة الأحزاب الآية 36
(2)
سورة آل عمران الآية 31
(3)
سورة النساء الآية 80
(4)
سورة النساء الآية 65
(5)
سورة الجمعة الآية 2
(6)
رواه أبو داود في كتاب الفرائض باب ميراث الجدة 2/ 109 - 110، ورواه الترمذي في كتاب الفرائض، باب ميراث الجدة 4/ 420 وقال: حديث حسن صحيح.
وقد أخطأ بعض الباحثين فزعم أن السنة لا تعتبر مصدرا من مصادر الأحكام سواء أحكام النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي وهذا القول غير صحيح فإن السنة كالقرآن مصدر من مصادر الأحكام سواء أكانت عبادات أم جنايات أم أحكاما اجتماعية أم اقتصادية للأدلة التي سبق ذكرها ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه (1)» . . . .
والحكم الثابت بالسنة هو في الحقيقة ثابت بالقرآن لأن القرآن هو الذي أمرنا وأرشدنا إلى اتباع السنة لما سبق ذكره من آيات.
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحكم الثابت بالسنة ثابت بالقرآن. ففي حديث العسيف الزاني: «أن رجلا من الأعراب أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله. فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه: نعم فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل. قال: إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لأقضين بينكم بكتاب الله، الوليدة والغنم رد وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت (2)» .
فانظر كيف حكم عليه الصلاة والسلام على المرأة بالرجم واعتبر ذلك ثابتا في الكتاب مع أن رجم المحصن أو المحصنة ثابت بالسنة لكن لما دلنا
(1) رواه أبو داود في كتاب السنة باب في لزوم السنة 4/ 200.
(2)
رواه مسلم في كتاب الحدود باب من اعترف على نفسه بالزنا 3/ 1324 - 1325 والعسيف: الأجير، والوليدة: الجارية.
الكتاب على اتباع السنة كان كل ما ثبت بالسنة ثابتا بالكتاب.
ووعى الصحابة رضي الله عنهم ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بأن الحكم الثابت بالسنة ثابت بالقرآن، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله. قال فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله. فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله، فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته. فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله عز وجل:
(2)
».
واعتبار الحكم الثابت بالسنة ثابتا بالقرآن معلوم عند المجتهدين من سلف هذه الأمة فقد كان الشافعي جالسا في المسجد الحرام فقال: لا تسألوني عن شيء إلا أجبتكم فيه من كتاب الله تعالى. فقال رجل: ما تقول في المحرم إذا قتل الزنبور؟ فقال: لا شيء عليه. فقال: أين هذا في كتاب الله؟ فقال: قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (3)
ثم ذكر إسنادا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي (4)» . ثم ذكر إسنادا إلى عمر رضي الله عنه أنه قال:
(1) رواه مسلم في كتاب اللباس والزينة باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة 3/ 1678. والواشمة: اسم فاعل من الوشم وهو غرز الإبرة ونحوها في الجلد حتى يسيل الدم ثم حشوه بالكحل أو النيل فيخضر. والمستوشمة: التي تطلب هذا الفعل من غيرها. والنامصة: هي التي تنتف الشعر بالمنماص من الوجه. والمتنمصة: التي تأمر من يفعل بها ذلك. المتفلجات: النساء اللاتي يباعدن بين الثنايا والرباعيات للحسن.
(2)
سورة الحشر الآية 7 (1){وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}
(3)
سورة الحشر الآية 7
(4)
جزء من حديث رواه أبو داود في كتاب السنة باب في لزوم السنة 4/ 200 - 201.
للمحرم قتل الزنبور (1).
متى يكون قول النبي أو فعله صلى الله عليه وسلم مصدرا من مصادر الأحكام؟.
1 -
الأصل أن أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم مصدر من مصادر الأحكام سواء عبادات أو معاملات ويدخل في ذلك أحكام النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والقضائي وأن كل ما قاله صلى الله عليه وسلم يعتبر تبليغا عن الله سبحانه يجب الالتزام به.
2 -
ما قاله صلى الله عليه وسلم أو فعله بوصفه إماما فلا يجوز فعله إلا بإذن إمام ذلك العصر كبعث الجيوش وصرف الأموال لذلك وقسمة الغنائم وعقد العهود واختيار مكان معين لنزول الجيش.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلا فله سلبه (2)» صادر عنه بوصفه إماما عند الحنفية والمالكية فلا يستحق القاتل سلب المقتول إلا بإذن إمام ذلك العصر خلافا للشافعية والحنابلة.
3 -
ما قاله صلى الله عليه وسلم أو فعله بمقتضى الخبرة الإنسانية فهو على الإباحة ولا يجب علينا شرعا امتثاله.
فقوله صلى الله عليه وسلم لمن رآهم يؤبرون النخل «لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا (3)» صدر عنه بمقتضى خبرته الإنسانية بدليل أنه قال لهم عندما ذكروا له أن ثمر النخل قد سقط «إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء
(1) انظر تفسير الفخر الرازي 12/ 216 - 217.
(2)
أخرجه الجماعة إلا النسائي انظر نصب الراية 3/ 428، وفي رواية مسلم في كتاب الجهاد والسير باب استحقاق القاتل سلب القتيل 3/ 1370 " من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ". والسلب: ملابس القتيل وسلاحه وما معه من نقود أو أي مال.
(3)
صحيح مسلم الفضائل (2362).
من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر (1)». وفي رواية أخرى في صحيح مسلم أيضا «أنتم أعلم بأمر دنياكم (2)» .
وبيعه وشراؤه مما فعله بمقتضى الخبرة الإنسانية عليه الصلاة والسلام.
4 -
ما صدر عنه عليه الصلاة والسلام بوصفه قاضيا كالفصل بين المتخاصمين في المال أو الأبدان لا يجوز لأحد أن يقدم عليه إلا إذا حكم به القاضي. فقوله صلى الله عليه وسلم «لهند عندما شكت له أن زوجها أبا سفيان رجل شحيح خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وبنيك (3)» صادر عنه بوصفه قاضيا عند الحنفية (4) والمشهور في مذهب المالكية (5) وعند الشافعية (6) فلا يحل لامرأة زوجها شحيح أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها إلا بقضاء القاضي خلافا للحنابلة (7) الذين قالوا لا تحتاج المرأة إلى قضاء القاضي في هذه المسألة.
5 -
ما فعله صلى الله عليه وسلم بمقتضى الطبيعة الجبلية كالأكل أو الشرب أو النوم فهذا حكمه الإباحة.
6 -
ما فعله صلى الله عليه وسلم وثبتت خصوصيته له. فهو خاص به من دون أمته
(1) رواه مسلم في كتاب الفضائل باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره من معايش الدنيا على سبيل الرأي 4/ 1835 - 1836 ومعنى قوله (من رأي) أي في أمر الدنيا ومعاشها لا على سبيل التشريع. فأما ما قاله باجتهاده عليه الصلاة والسلام ورآه شرعا فيجب العمل به. انظر تعليق محمد فؤاد عبد الباقي 4/ 1836.
(2)
صحيح مسلم الفضائل (2363)، سنن ابن ماجه الأحكام (2471)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 123).
(3)
رواه مسلم في كتاب الأقضية باب قضية هند 3/ 1338.
(4)
انظر الهداية مع شرح فتح القدير 3/ 378.
(5)
الفروق للقرافي 1/ 208.
(6)
المهذب للشيرازي 2/ 164.
(7)
كشاف القناع للبهوتي 5/ 478 - 479.