الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وثيقة مكة المكرمة
الصادرة عن المؤتمر الإسلامي العالمي
لمناقشة الأوضاع الحاضرة في الخليج
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وعليه نتوكل ومنه نستمد العون والتوفيق.
في يوم الإثنين الموافق 21 صفر 1411 هـ إلى يوم الأربعاء 23 صفر 1411 هـ انعقد بمكة المكرمة المؤتمر الإسلامي العالمي لمناقشة الأوضاع الحاضرة في الخليج وحضره ممثلون لعلماء المسلمين وقادة الرأي في الأمة والعاملين في حقل الدعوى ومندوبي المنظمات والجمعيات الإسلامية من أنحاء العالم، لتدارس احتلال العراق للكويت وضم أراضيه بالقوة وتهديده لأمن الخليج وتعريضه لمصالح الأمة الإسلامية للخطر وما ترتب على ذلك من آثار خطيرة، وبيان حكم الإسلام في هذا الحديث وما نتج عنه من آثار أليمة أضرت بسمعة الأمة الإسلامية وعرضت حقائق الإسلام وقيمه للتشويه. . . والتوصية بالمخرج من المحنة في ضوء هدي الإسلام وأحكام شريعته حتى يتحقق البيان الذي أوجبه الله على العلماء.
إن تطبيق شريعة الله والتزام منهجه في كافة مجالات الحياة وعرض ما يقع للمسلمين من قضايا ومشكلات على كتاب الله وسنة نبيه والنزول على حكم الشرع واجب هذه الأمة.
ذلك أن إعلان الإيمان بالله والإقرار بأن شرعه هو الحق وأن حكمه هو العدل، لا يستقيم مع عدم النزول على حكمه بمقتضى قول الله تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (1)
(1) سورة النساء الآية 65
وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (1).
وما اكتنف المسلمين من وهن وفرقة وتظالم وتدابر إلا بعد أن ضعفت صلتهم بهذا النهج واتبع كثير منهم أهواءهم. قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (2) وقال تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (3).
وعليه فقد قرر المؤتمرون بالإجماع إعلان الوثيقة التالية شهادة بالحق ورعاية للأمانة ونهوضا بالمسؤولية وبلاغا إلى الأجيال:
إن مقاصد الشريعة القطعية ومبادئها الكلية وأدلتها الجزئية توجب الحفاظ على الأنفس والأعراض والأموال والذود عنها وتعد الموت من أجل كل ذلك شهادة.
قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (4) وقال عليه الصلاة والسلام: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليك (5)» . . إلخ. وقال عليه الصلاة والسلام: «من قتل دون ماله فهو شهيد (6)» .
وفي نور هذا الهدى الرباني المبين يعلن المؤتمر:
إن عدوان النظام العراقي على الكويت إهدار صريح وانتهاك سافر لهذه الحقوق والمقاصد التي حفظها الإسلام وهو منكر عظيم وفساد كبير وسنة سيئة يشهد على ذلك أهل العلم والعقل.
ومن ثم فلا يزول هذا المنكر ولا يرتفع هذا الفساد إلا بانسحاب الجيش العراقي الكامل من الكويت وإبطال كافة الآثار المترتبة على هذا المنكر وذلك الفساد.
(1) سورة الأحزاب الآية 36
(2)
سورة طه الآية 124
(3)
سورة البقرة الآية 120
(4)
سورة الإسراء الآية 33
(5)
صحيح مسلم كتاب الحج (1218)، سنن أبو داود كتاب المناسك (1905)، سنن ابن ماجه المناسك (3074)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 371)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1850).
(6)
صحيح البخاري المظالم والغصب (2480)، صحيح مسلم الإيمان (141)، سنن الترمذي الديات (1419)، سنن النسائي تحريم الدم (4087)، سنن أبو داود السنة (4771)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 206).
ومما ترتب على هذا العدوان وجود قوات أجنبية في الخليج إذ اضطرت المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي إلى طلب قوات إسلامية وأجنبية لمساندة قواتها الدفاعية في مواجهة عدوان وشيك من القوات العراقية المحتشدة على حدود المملكة العربية السعودية.
ولقد تقرر عند أولي العلم أن شريعة الإسلام تتسع لهذا الإجراء وتستوعب هذه الضرورة ومن هنا فإن ثمة تلازما بين احتلال الكويت والتهديد العراقي للمملكة العربية السعودية ودول الخليج ووجود القوات الأجنبية فإذا زالت هذه الأسباب انتفت الضرورة لوجود هذه القوات كما أكد أولو الأمر في المملكة العربية السعودية على ذلك.
ولا يرى المؤتمر مسوغا لإقحام الحرمين الشريفين في هذا الخصام السياسي والإعلامي فليس في الأرض المقدسة وجود أجنبي ولا يجوز أن يقحما في الصراعات والشعارات والخلافات والمزايدات السياسية فالنأي بهما عن هذه الصراعات والمزايدات مظهران من مظاهر تعظيمهما واحترامهما {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (1).
والمؤتمر مدرك حرص المملكة الدائم على إبقاء الحرمين الشريفين بعيدين عن الصراع السياسي والمذهبي كما يقدر الجهود الدائبة المخلصة التي تبذلها المملكة في خدمة الحرمين الشريفين والحفاظ على طهارتهما وقدسيتهما.
كما يشيد المؤتمرون بتطبيق المملكة العربية السعودية للشريعة الإسلامية ودعمها للمسلمين في شتى بقاع الأرض وحرصها على تضامنهم. والمؤتمر يدرك أن من مخططات الأعداء الثابتة والمتجددة إيقاد نيران الفتن والحروب في العالم الإسلامي وكأنه المستثنى وحده من فرص الهدوء والاستقرار التي يتمتع بها غيره في ظل الوفاق الدولي الجديد.
وتعتبر أزمة الخليج الراهنة حلقة في هذا المخطط الذي لا يريد لأمتنا خيرا ولا نهضة ولا تقدما. ومن المحزن أن يجد هذا المخطط من ينفذه من أبناء الأمة العربية والإسلامية.
(1) سورة الحج الآية 32
إن أزمة الخليج قد صدعت العلاقة الأخوية بين الشعوب الإسلامية وفرقت كلمة المسلمين خاصتهم وعامتهم وحرمتهم من الإحساس بالأمن على أنفسهم وأموالهم وديارهم وأعراضهم وصرفت الجهود والهمم عن قضايا الإسلام والمسلمين كقضية الجهاد الأفعاني والانتفاضة الفلسطينية وهجرة اليهود السوفييت إلى فلسطين المحتلة وسائر القضايا الإسلامية.
إن غزو العراق للكويت مع منافاته للإسلام قد أتاح الفرصة لأعداء الإسلام لتشويه صورة الإسلام والمسلمين أمام الرأي العام العالمي حيث حرصت أكثر وكالات الأنباء العالمية على إظهار الإسلام وأهله بصورة دموية لا تحفظ العهود والمواثيق ولا ترعى حق الجوار ولا ترحم صغيرا ولا تعرف حق كبير.
وتدبر المؤتمر أسباب الضعف والتخلف والخذلان والفرقة والاضطراب في الأمة فوجد أن من أخطرها وأبرزها ما يلي:
أولا: الاستبداد الذي أتاح لفرد واحد أن يقرر اجتياح بلد عربي مستقل ويتصرف في مقدراته ويعبث في مصائر الأمة ويعبث في أهم قضاياها الأمنية والسياسية والاستراتيجية.
ثانيا: تمزيق الأمة بالشعارات العرقية والقومية والعلمانية والطائفية.
ثالثا: ضعف البناء الذاتي في التربية والتعليم والصناعة المدنية والعسكرية وترك الاستعداد للجهاد.
رابعا: الحملات الإعلامية المعادية والغزو الثقافي والفكري وضعف إعلام المسلمين عن التصدي لها.
خامسا: القصور الظاهر في سلوك الأمة وفشو مظاهر العصيان والمخالفات كالتعامل بالربا وصور الفسوق في البيت والشارع.
سادسا: الغفلة عن مخططات الأعداء وتدبيرهم ومكرهم. وعلاجا لهذه الأوضاع يؤكد المؤتمر وجوب العودة إلى الله تعالى عودة صادقة والالتزام بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إذ هما ركيزتا العمل المخلص والجاد في سبيل إحياء الأخوة الإسلامية وبناء الأجيال
على أسس سليمة والعزم البصير على ترسيخ النهضة الإسلامية الشاملة.
ودعوة العلماء إلى القيام بواجب البيان لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} (1). . ودعوتهم إلى جمع كلمتهم والتشاور فيما بينهم ليصدروا عن موقف واحد فتتحد الأمة من ورائهم ونحذرهم من الوقوع تحت الضغوط ترهيبا وترغيبا فإن الله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2).
وندعو حكام المسلمين وقادتهم إلى تحكيم شرع الله فيما بينهم فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (3).
وندعوهم على إلزام أجهزة الإعلام والتعليم بحمل رسالة الإسلام وتمثلها، وإلى أن تكون أدوات صالحة لتهيئة أجواء الاستقامة النفسية والفكرية والخلقية والسلوكية {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (4).
وندعو إلى تطبيق مبدأ الشورى الذي يغني الأمة عن التطلع إلى مفاهيم الديمقراطية الغربية والذي يعصم الأمة من الاستبداد الذي يجعل مصائر الأمة ضحية للأهواء الفردية.
وندعو إلى الوحدة الإسلامية وفق مقوماتها العقيدية والفكرية والتربوية والثقافية والسياسية والاقتصادية والأمنية والدفاعية {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (5).
(1) سورة آل عمران الآية 187
(2)
سورة البقرة الآية 174
(3)
سورة النساء الآية 65
(4)
سورة الحج الآية 41
(5)
سورة الأنبياء الآية 92
إن هذه الوحدة الإسلامية المفروضة والمطلوبة هي - بعد عون الله - سبيل المسلمين إلى حياة كريمة قوية في ظل الكيانات الكبيرة التي يعاد بناؤها في العالم في مناخ الوفاق الدولي فوق كوكبنا الأرض.
وندعو إلى بناء القوة العسكرية الإسلامية بسرعة وعزم وإلى الاستعداد بمفاهيمه الشرعية الصحيحة وهي إعلاء كلمة الله ودفع الظلم والذود عن المقدسات والقتال دون النفس والأهل والمال.
إن بناء القوة العسكرية الإسلامية الجهادية هي الضمان الحقيقي والدائم - بعد توفيق الله - لعزة المسلمين واستقلالهم وسيادتهم ومكانتهم المرموقة بين الأمم.
وندعو كافة الدول العربية والإسلامية ودول العالم إلى الالتزام بالعهود والمواثيق والأعراف الدولية التي تمنع الاعتداء والتدخل في الشئون الداخلية للدول وتحض على إفشاء السلام في المنطقة وفي العالم وعلى التعاون وحسن الجوار وحل الخلافات بالطرق السلمية وعدم فرض الإرادة الخارجية عليها.
وندعو الدول الإسلامية كافة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وفقا للشريعة الإسلامية - لا وفقا للمفاهيم الطبقية ونوازع الأحقاد والضغائن - وتبعا لمنهج هذه الأمة في احترام الحقوق، وتحريم الاعتداء والاستيلاء عليها بالقوة. ويجب كذلك إشاعة روح التعاون بين الدول الإسلامية والتكافل بين شعوبها، ورفض كل شكل من أشكال الاغتصاب للحقوق والممتلكات دون مبرر، وإحياء روح المحبة والألفة بين أبناء هذه الأمة واستنكار كل قول وعمل وسلوك يسعى إلى إثارة الفتنة والحساسيات بين الشعوب العربية والإسلامية والدعوة إلى مواجهة هذه النزاعات والتصرفات. بالمزيد من الوعي والإدراك لما تؤدي إليه من انقسامات خطيرة من شأنها أن تدمر الروابط العميقة بين هذه الشعوب وتقضي على أسباب قوتها وتماسكها وتفتح أوسع الأبواب لكيد الأعداء.
وندعو شعوب الأمة الإسلامية في مختلف أنحاء الأرض إلى ممارسة أقصى درجات الوعي واليقظة والحذر تجاه المحاولات الرامية إلى استغلال عواطفها الدينية الجياشة وحساسيتها المفرطة نحو مقدساتها العظيمة في الخلافات السياسية، والبرامج الدعائية التي لا تعرف تقوى عز وجل ولا تلتزم مراقبته في بواعثها وأهدافها.
وندعو إلى حياة إسلامية صحيحة في سائر مناحي حياة المسلمين فالإسلام ليس شعارا موسميا يرفع بغتة لهذا الغرض أو ذاك، إنما الإسلام منهج يطبق في شعب الحياة جميعا مهما اتسع نطاقها وتنوعت مواقعها.
والمقياس الصحيح للولاء للإسلام، هو التخلي الكامل عن حياة الجاهلية بعصبيتها وحزبيتها إذ لا تصح دعوى من يدعي الإسلام وهو لا يزال متلبسا ومتشبثا بالأصل العلماني واللاديني للحياة والحكم، ويأتي بعد التخلي عن العلمانية تطبيق شرائع الإسلام وشعائره في صميم المجتمع والدولة ذلك أنه لا يمكن موضوعيا وعمليا أن يطبق الإسلام أو يصدق في الأخذ به نظام علماني اتخذ العلمانية منهجا في الحياة ولم يزل كذلك.
كما ندعو إلى استتباب السلام في المنطقة وكافة دول العالم والحرص على عدم اللجوء إلى الحروب كوسيلة لإنهاء الخلافات.
ونسأل الله عز وجل أن يلهم هذه الأمة رشدها وأن يبصرها بمواضع الضعف فيها وأن يريها الحق حقا ويرزقها اتباعه ويريها الباطل باطلا ويرزقها اجتنابه. .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
صفحة فارغة
بيان هيئة كبار العلماء
بتأييد ما أصدره المؤتمر الإسلامي العالمي
من قرارات وتوصيات ووثيقة مكة المكرمة حول الأوضاع في الخليج
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيد الأولين والآخرين وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد فإن هيئة كبار العلماء قد اطلعوا في دورتهم السادسة والثلاثين المنعقدة في مدينة الطائف ابتداء من يوم 26/ 2 / 1411هـ. وانتهاء يوم 6/ 3 / 1411هـ. على ما أصدره المؤتمر الإسلامي العالمي الذي دعت إليه رابطة العالم الإسلامي وعقد في مكة المكرمة من يوم 21/ 2 / 1411هـ. حتى نهاية يوم 23/ 2 / 1411 هـ. لدراسة الوضع الناتج عن أزمة الخليج إثر اعتداء حكومة العراق على الكويت واجتياحها لها وما تمخض عن ذلك من تشريد وقتل وانتهاب أموال وانتهاك الحرمات وتخريب وترويع وتفريق لأفراد الأسرة الواحدة مما لا يقره عقل ولا دين ولا يرضاه ضمير ولا خلق وقد اشترك في هذا المؤتمر عدد كبير من علماء الإسلام وقادة الفكر الإسلامي ورجالات الدعوة الإسلامية من مفتين ومديري جامعات ومدرسي علوم الشريعة وغيرهم من عامة البقاع التي يوجد فيها المسلمون وتوصل المؤتمر إلى قرارات هامة وتوصيات هادفة ونصائح جليلة تضمنت حث الأمة الإسلامية على الأخذ بأسباب القوة المعنوية والمادية وتجنب مسببات النكسات ووجوب التعاون على البر والتقوى والتناهي عن الإثم والعدوان وضرورة الرجوع إلى الله في كل الأمور. كما أصدر المؤتمر وثيقة مكة المكرمة التي تضمنت التنديد الشديد بعدوان العراق على الكويت والمطالبة بسرعة سحب القوات المعتدية وإعادة أهل البلاد إلى بلادهم والدعوة إلى وقوف الأمة الإسلامية بوجه العدوان والتحذير من مغبة التساهل في ذلك كما تضمنت تأييد حكومة خادم الحرمين الشريفين في إجراءاتها
التي قطعت أطماع المعتدين وأوقفت زحفهم بما استقدمته من قوات إسلامية وغيرها أرهب تجمعها القوات الظالمة وقيادتها المجرمة فأسقط بأيديهم وراحوا ينددون بتلك القوات التي هم سبب وجودها الوحيد وذلك بعدوانهم الآثم الغاشم. وأن مجلس هيئة كبار العلماء ليؤيد تلك التوصيات والتي تمخض عنها المؤتمر وما أصدره في تلك الوثيقة وهو بذلك يؤكد ما سبق له أن أصدره من تأييد لخطوات حكومة هذه البلاد لتوفير أسباب الأمن وإرهاب الأعداء والقضاء على مآربهم الخبيثة ومقاصدهم السيئة بما وفره ولاة الأمر من قوات متعددة الجنسيات ليدفع الله بها عن البلاد قال الله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} (1) كما يؤيد ما تلا ذلك من إجراءات تستلزم حفظ الأمن وتوفير أسباب الاستقرار والعيش بسلام في ظل القيم والأخلاق الإسلامية، والمجلس إذ يؤكد تأييد ذلك كله يدعو إلى وجوب الأخذ بالأسباب النافعة وضرورة الالتجاء إلى الله والفزع إليه سبحانه وطلب النصر منه جل وعلا والأخذ بالأسباب الداعية لنصره ودفاعه عن عباده بأن نخلص له العمل وننبذ كل ما يكرهه الله ورسوله ونتسمك بتقواه ليكون معنا على أعدائنا لأن دفاعه ونصره ومعيته وتوفيقه لا تتوافر إلا بتقواه والبعد عن محرماته والقيام بواجب النصح له ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فقد قال سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} (2) وقال جل من قائل: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (3) وقال: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} (4) وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (5) وقال حاضا على الاستعداد بالقوة: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (6) والأدلة على وجوب الأخذ بكافة العدد المعنوية والمادية كثيرة جدا ولا يصح الأخذ بجانب وترك جانب آخر
(1) سورة البقرة الآية 251
(2)
سورة الحج الآية 38
(3)
سورة النحل الآية 128
(4)
سورة آل عمران الآية 126
(5)
سورة محمد الآية 7
(6)
سورة الأنفال الآية 60
بل يتعين هذا وهذا ولا يتحقق نصر يرضى الله عنه إلا بالأخذ بالجانبين معا والمجلس يهيب بكافة الأمة من أفراد وجماعات قادة ومقودين أن يعلموا أن رحمة الله التي منها نصره وحفظه لعباده تستدعي صدق التوجه إليه والرجوع عن كل ما لا تقره الشريعة المطهرة ويأباه الخلق الإسلامي الكريم وأن يعلموا أن إحسان الصلة بالله أمر مطلوب في الرخاء وهو في الشدة أشد لزوما وأعظم وجوبا مع النية الصادقة والعزيمة القوية على الاستمرار في لزوم أسباب مرضاة الله والتخلي عن أسباب مساخطة سدد الله الخطى ووقى من العثرات وحقق بمنه ولطفه الأمن ويسر أسبابه وخذل الباطل وأهله وقضى بحوله وقوته على مطامع المجرمين ورد كيد الحاقدين في نحورهم وأصلح شأن أمة الإسلام ويسر أسباب اجتماعية وتآلفها على منهج إسلامي نقي والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. . .