الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه الأخلاق التي تحلى بها الرسول صلى الله عليه وسلم ظلت ملازمة له طوال حياته ومن أول عمره إلى آخره إذ كانت سجية من سجاياه وطبعا من طباعه لم يحمل نفسه على التكلف بها إذ المتكلف لا يمكنه الثبات على ذلك طوال عمره، وهذا ما أشار إليه سبحانه:{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} (1).
وخلاصة القول: إن مثل هذه الصفات الخلقية والخلقية وهذه السيرة المرضية لا يتأتى بعض منها إلا لنبي من الله عليه بنعمة الرسالة فهداه واجتباه وحباه فكيف بها مجتمعة في شخصه الكريم؟ لا شك أن اجتماعها فيه من أعظم الأدلة على نبوته صلى الله عليه وسلم.
(1) سورة ص الآية 86
ثالثا: استجابة دعائه صلى الله عليه وسلم:
فمن ذلك دعاؤه على سراقة بن مالك واستجابة الله له في ذلك.
فعن البراء بن عازب أن أبا بكر أخبره كيف هاجر مع النبي عليه الصلاة والسلام وماذا حصل معهما أثناء ذلك فكان مما أخبره به: «أن سراقة اتبعهم فقلت (والكلام لأبي بكر) أتينا يا رسول الله فقال: لا تحزن إن الله معنا فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فارتطمت به فرسه إلى بطنها. فقال: (سراقة) إني أراكما قد دعوتما علي فادعوا لي فالله لكما أن أرد عنكما الطلب. فدعا له صلى الله عليه وسلم فنجا. فجعل لا يلقى أحدا إلا قال كفيتكم ما هنا. فلا يلقى أحدا إلا رده (2)» .
ومن ذلك ما رواه أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة فقام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة.
(1) انظر البخاري كتاب المناقب 4 - 181
(2)
فارتطمت به فرسه: أي غاصت به قوائمها (1)
(3)
البخاري كتاب الجمعة 1/ 224
فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى وقام ذلك الأعرابي - أو قال غيره - فقال: يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله لنا فرفع بيده فقال: اللهم حوالينا ولا علينا فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت وصارت المدينة مثل الجوبة وسال الوادي قناة شهرا ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود (3)».
ومن ذلك دعاؤه على نفر من قريش لإيذائهم إياه صلى الله عليه وسلم:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فدعا على ستة نفر من قريش فيهم أبو جهل، وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط، فأقسم بالله لقد رأيتهم صرعى على بدر، قد غيرتهم الشمس، وكان يوما حارا (4)» .
ومن ذلك أيضا «أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله. فقال: كل بيمينك قال: (لا أستطيع) قال: لا استطعت فما رفعها إلى فيه (5)» .
وسبب دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عليه علمه بأنه يستطيع الأكل بيمينه لكن الكبر منعه من الاستجابة لطلب الرسول عليه الصلاة والسلام (6).
ومن ذلك ما صح عن جرير بن عبد الله أنه قال: ". . . «ولقد شكوت إليه (يعني الرسول عليه الصلاة والسلام أني لا أثبت على الخيل فضرب بيده في صدري وقال: اللهم ثبته. واجعله هاديا مهتديا فأصبح جرير بهذه الدعوة فارسا (7)» .
(1) القزعة: القطعة من السحاب. (3)
(2)
الجوبة: الفرجة المستديرة في السحاب (1)
(3)
قناة: مرفوع على البدل من الوادي غير منصرف لأنه اسم لواد معين من أودية المدينة (2)
(4)
رواه مسلم كتاب الجهاد والسير 3: 1420، والبخاري كتاب الوضوء 1/ 65
(5)
صحيح مسلم الأشربة (2021)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 46)، سنن الدارمي الأطعمة (2032).
(6)
انظر صحيح مسلم كتاب الأشربة 3/ 1599
(7)
انظر صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة 4/ 1926