الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا التفصيل في كثير من الآيات التي تحدثت عن التوزيع لم يلاحظ في الآيات التي تعرضت لبقية الجوانب الاقتصادية فالآيات التي تحدثت في غير جوانب التوزيع جاءت من غير تفصيل وضعت القواعد والأسس وترك المجال في بناء الفروع لاجتهاد العلماء ضمن تلك القواعد والأسس.
تاسعا: حرم الإسلام كل صور التعامل التجاري التي يكون فيها ظلم في التوزيع
حلا للمشكلة الاقتصادية. ومن هذه الصور:
أ - تحريم الربا: فقد حرم الشارع الربا تحريمها قاطعا وبين أن الذي يأكل الربا لا يقوم من قبره إلى البعث إلا كقيام المجنون، وأن مال الربا لا بركة فيه، وأن آكل الربا محارب من الله ورسوله وأنه ظالم، وأن أكل الربا من الكبائر، وأن آكل الربا وموكله، وكاتبه وشاهديه ملعونون (1) قال تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (2).
وقال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (3). .
وقال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (4).
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (5) فإن {لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (6).
وقال تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (7).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله: وما هن؟ قال
(1) الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر المكي 1/ 222 وما بعدها.
(2)
سورة البقرة الآية 275
(3)
سورة البقرة الآية 275
(4)
سورة البقرة الآية 276
(5)
سورة البقرة الآية 278
(6)
سورة البقرة الآية 279
(7)
سورة البقرة الآية 279
" الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات (1)».
وعن جابر قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء (2)» .
ب - تحريم الاحتكار: ويدخل فيه كل ما حبس مما يحتاج الناس إليه من قوت وغيره للغلاء. وقد ثبتت حرمة الاحتكار بقول النبي: «لا يحتكر إلا خاطئ (3)» .
جـ - تحريم الغش والغبن وكل ما فيه غرر كالمحاقلة وبيع الملامسة والمنابذة وبيع الثمر قبل بدو صلاحه
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان باب بيان الكبائر وأكبرها 1/ 92
(2)
رواه مسلم في كتاب المساقاة باب لعن آكل الربا ومؤكله 3/ 1219
(3)
رواه مسلم في كتاب المساقاة باب تحريم الاحتكار في الأقوات 3/ 1228
وبيع الطير في الهواء والبيع بغير ذكر الثمن وغيرها كثير (1) وقد ثبتت حرمة بيع كل شئ فيه غش وغبن وغرر قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (2) وعن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها. فنالت أصابعه بللا. فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني (3)» وعن سعيد بن المسيب «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر (4)» .
كما حرم الإسلام كل ما يهدر ويضيع أو يعطل أموال الأمة، ويظهر ذلك فيما يلي:
أ - تحريم الإسراف والتبذير قال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (5) وقد أمر الله سبحانه بالاعتدال في الإنفاق والاستهلاك قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} (6).
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (7).
ويحجر الشرع على كل من يضيع المال أو يضعه في غير موضعه كالمجنون والسفيه والصبي، قال تعالى:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (8){وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} (9)
(1) انظر نظرية الغرر في الشريعة الإسلامية دراسة مقارنة للدكتور ياسين درادكه.
(2)
سورة النساء الآية 29
(3)
رواه مسلم في كتاب الإيمان قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من غشنا فليس منا " 1/ 99
(4)
رواه مالك في الموطأ ص461
(5)
سورة الإسراء الآية 27
(6)
سورة الإسراء الآية 29
(7)
سورة الفرقان الآية 67
(8)
سورة النساء الآية 5
(9)
سورة النساء الآية 6
والإسراف هو تجاوز الحد في الاستهلاك الحلال، والتبذير هو الإنفاق في الحرام، وكل ما ينفق في الطاعة فلا يدخل في دائرة الإسراف مهما عظم أو كان الإنسان محتاجا إليه وقد «أهدت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بردة وكان صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها فلبسها. فرآها عليه رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه اكسنيها فقال: نعم، وأعطاها له (1)» وقد تأسى الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أخذ أبو بكر كل ماله معه في الهجرة لينفق منه عليه وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قبل ذلك قد أعد راحلتين له وللرسول صلى الله عليه وسلم (2). وفي يوم من الأيام أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتصدقوا فتصدق عمر بنصف ماله وتصدق أبو بكر بكل ماله وعندما سأله عليه السلام «ماذا أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله (3)» وكان عمر رضي الله عنه قد أصاب بخيبر مالا لم يصب قط أنفس منه. فتصدق به كله رضي الله عنه (4). وجهز عثمان رضي الله عنه جيش العسرة وتصدق عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشطر ماله أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألف ثم تصدق بأربعين ألف دينار ثم حمل على خمس مائة فرس في سبيل الله (5).
ولما آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين سعد بن الربيع من الأنصار وعبد الرحمن بن عوف من
(1) حياة الصحابة للكاندهلوي 2/ 328 - 329
(2)
السيرة النبوية لابن هشام 2/ 133، حياة الصحابة للكاندهلوي 2/ 336
(3)
حياة الصحابة للكاندهلوي 2/ 315 والحديث رواه الترمذي في كتاب المناقب باب مناقب أبي بكر وعمر 5/ 615، وقال: هذا حديث حسن صحيح
(4)
حياة الصحابة للكاندهلوي 2/ 322، والحديث رواه مسلم في كتاب الوصية باب الوقف 3/ 1255
(5)
حياة الصحابة للكاندهلوي 2/ 340 - 341.
المهاجرين عرض سعد على أخيه عبد الرحمن أن يقسم ماله بينهما (1) ولم يقل أحد: إن فعل الصحابة من باب الإسراف بل ذكر في كتب المناقب على فضل هؤلاء الفاعلين، وكل هذا مما يضاعف فيه الأجر والثواب. قال تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (2). وقد نقل ابن تيمية عن بعض السلف قولهم: (لو أنفقت درهما في معصية الله كنت مبذرا ولو أنفقت ملء الأرض في طاعة الله لم تكن مبذرا (3) وقال ابن تيمية رحمه الله (والإنسان ليس له أن يصرف المال إلا فيما ينفعه في دينه أو دنياه وما سوى ذلك سفه وتبذير نهى الله عنه بقوله: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} (4). وقال رحمه الله أيضا: (والسفيه الذي يستحق الحجر عليه بفعل هذا أو هذا إما أن يبذل في المباحات قدرا زائدا على المصلحة أو يبذل في المعاصي وكلاهما تبذير)(5).
ب - تحريم كنز المال: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (6){يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (7).
وقد اختلف العلماء في المراد بالكنز في الآية وهل المال الذي أديت زكاته يسمى كنزا وقد روي عن الصحابة الرأيان والراجح أن المال الذي أديت زكاته لا يسمى كنزا. انظر تفسير القرطبي 8/ 125 والإسلام إذ يحرم كنز المال وتعطيل ثروات الأمة فإنه يحث على استثمار المال بالطرق المشروعة ويبين لنا الله سبحانه أن كل ما يقوم به المسلم من نشاط اقتصادي
(1) روى ذلك البخاري في كتاب المناقب باب إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار 4/ 222
(2)
سورة البقرة الآية 261
(3)
نظرية العقد لابن تيمية ص18
(4)
سورة الإسراء الآية 26
(5)
نظرية العقد لابن تيمية ص19
(6)
سورة التوبة الآية 34
(7)
سورة التوبة الآية 35
وغيره داخل في دائرة العبادة قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1).
وقد فرض الله سبحانه وتعالى الزكاة وهي تسهم في استثمار المال وتمنع من تعطيله وذلك من ثلاثة وجوه:
الأول: أن عدم استثمار المال وأداء زكاته كل سنة يؤدي إلى نقصانه، وهذا يدفع الإنسان إلى استثمار أمواله بأي شكل من الأشكال المباحة وقد روى مالك في الموطأ أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال:(اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة)(2).
الثاني: جعل الإسلام من مصارف الزكاة (الغارمين) وهذا يشجع التجار على استثمار أموالهم بأنفسهم حتى إذا غرموا فإنهم يساعدون من أموال الزكاة كما يشجع أصحاب الأموال على الائتمان ودفع أموالهم لمن يتاجر لهم فيها مضاربة.
الثالث: أنه يعطي من أموال الزكاة كل عاطل عن العمل غير واجد لأدوات مهنته وهذا يشجع على العمل والاستثمار ويقضي على البطالة مما يسهم في حل المشكلة الاقتصادية. وقد نص الفقهاء: (أن من كان خياطا أو نجارا أو قصارا أو قصابا أو غيرهم من أهل الصنائع أعطي ما يشتري به الآلات التي تصلح لمثله وإن كان من أهل الضياع يعطى ما يشتري به ضيعة أو حصة في ضيعة تكفيه غلتها على الدوام)(3).
وأباح الشارع في المقابل كل ما يعين ويشجع على استثمار المال وحث عليه فأباح لنا التجارة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (4).
ووضع الإسلام نظاما للميراث يعتبر حافزا على العمل واستثمار الجهد والمال لأن الثروة تؤول إلى أقرب الناس للميت.
وإذا عجز الإنسان عن استثمار ماله أو كان قادرا على التجارة أو الزراعة أو أي عمل.
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2)
الموطأ لمالك كتاب الزكاة باب زكاة أموال اليتامى والتجارة لهم فيها ص167
(3)
المجموع للنووي 6/ 203
(4)
سورة النساء الآية 29
ولم يجد المال فإن الإسلام شرع ضروبا من المعاملات يجد فيها الإنسان ضالته وإن فقد المال أو المقدرة على استثماره.
فشرعت المضاربة: وهي عقد شركة في الربح بمال من جانب وعمل من جانب والمضاربة جائزة عند علماء المسلمين بما فيهم الأئمة الأربعة وقد حكى ابن المنذر الإجماع على جوازها.
ويتيح عقد المضاربة الفرصة أمام صاحب المال العاجز عن استثماره من جهة وأمام القادر على العمل والاستثمار وهو لا يملك المال من جهة أخرى.
ويمتاز عقد المضاربة بعدالته فإن الربح يكون بين الشريكين حسب النسبة في المتفق عليها. أما الخسارة فإنها تكون على صاحب المال ويكون العامل قد خسر جهده في هذه الحالة، وهذه مزية من المزايا الكثيرة التي يمتاز بها عقد المضاربة عن العقود الربوية (1).
وشرعت الإجارة لمن ملك دورا وحوانيت زائدة عن حاجته ولا يستطيع استثمارها. ويدخل في ذلك الآلات والمعدات فإنها تجوز إجارتها تيسيرا على من يحتاجها لبعض أعماله ولا يقوى على شرائها وتيسيرا على مالكها بما تدر عليه من ربح لتعويض الخسارة التي يمكن أن تلحق به مقابل ما يستهلك منها مع الاستعمال.
وقد عرف العلماء الإجارة بأنها تمليك نفع مقصود من العين بعوض (2). وهي جائزة بالإجماع (3).
(1) أوضحت هذا بالتفصيل في بحث بعنوان: مشكلة الربا وكيف تحل في ظل تطبيق الشريعة الإسلامية
(2)
بدائع الصنائع للكساني 8/ 3807، حاشية رد المحتار لابن عابدين 6/ 274
(3)
كشاف القناع للبهوتي 3/ 532
وشرعت المزارعة والساقاة لمن ملك أرضا أو شجرا ولا يستطيع القيام عليه، ولمن كان صاحب خبرة في الزراعة والاعتناء بالأشجار ولا يملك الأرض.
والمزارعة عقد على الزرع ببعض الخارج بشرائطه الموضوعة له شرعا (1).
والمساقاة: دفع أرض وشجر له ثمر مأكول لمن يغرسه أو مغروس معلوم لمن يعمل عليه بجزء مشاع معلوم من المتحصل (2).
والمزارعة جائزة في الصحيح وقد ذهب إلى جوازها أبو يوسف ومحمد من الحنفية (3) والمالكية (4) والحنابلة (5). وأجازها الشافعية إن كانت تبعا للمساقاة (6) والأدلة على جواز المزارعة ما ثبت بالسنة وبعمل الصحابة وعمدة هذه الأدلة كما قال العيني (7) ما رواه البخاري ومسلم «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع (8)» .
ومعاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع دليل على جواز المساقاة أيضا.
(1) حاشية رد المحتار لابن عابدين 6/ 4
(2)
كشاف القناع للبهوتي 3/ 546
(3)
بدائع الصنائع للكاساني 8/ 5408
(4)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب 5/ 176
(5)
كشاف القناع للبهوتي 3/ 542
(6)
نهاية المحتاج للرملي 5/ 245
(7)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني 12/ 167
(8)
رواه البخاري في كتاب الحرث والمزارعة مع اليهود 3/ 69. ورواه مسلم في كتاب المساقاة باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع 3/ 186 واللفظ له.
وقد أجاز المساقاة جمهور الفقهاء منهم أبو يوسف ومحمد من الحنفية (1) والمالكية (2) والشافعية (3) والحنابلة (4)
(1) بدائع الصنائع للكساني 8/ 3831. وقد سماها الحنفية: المعاملة
(2)
مواهب الجليل لشرخ مختصر خليل للحطاب 5/ 372 - 373
(3)
نهاية المحتاج للرملي 5/ 242 - 243
(4)
كشاف القناع للبهوتي 3/ 532
عاشرا: مما سبق ذكره نلاحظ أن الشريعة الإسلامية حددت قانونا عاما لمكافأة مصادر الإنتاج يحقق عدالة التوزيع في مختلف الجوانب (1).
أ - بالنسبة للعمل فإن عائده يكون بإحدى صورتين:
الأولى: الأجرة على العمل بحسب ما يتفق عليه العامل ورب العمل.
الثانية: أن يشترك العامل بنسبة من الأرباح مقابل ما يقدمه من جهد كما في عقد المضاربة والمزارعة والمساقاة.
والفرق بين الصورتين أن العامل يستحق أجرا ثابتا في الأولى ربح رب العمل أم خسر، أما في الثانية فالعامل يأخذ نسبة من الربح بحسب الاتفاق، وإذا خسر المشروع تتبع الخسارة رأس المال ويخسر العامل جهده ولا يستحق أجرا عليه. وفي كل االصورتين لا يتحمل العامل شيئا من الخسارة كما ترى.
ب - بالنسبة لأدوات الإنتاج كالآلات والأرض فإن عائدها يكون بإحدى صورتين:
الأولى: تأجيرها بمبلغ معين من المال لمن يحتاجها.
الثانية: دفعها لمن يعمل بها بنسبة من الربح يتفق عليها ويدخل في ذلك تأجير الأرض بذهب أو فضة أو ما يقوم مقامهما من الأوراق المالية.
جـ - بالنسبة لرأس المال - الذهب والفضة أو ما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية. فلها أسلوب واحد في الكسب وهو أن يدفعها صاحبها لمن يتاجر فيها مضاربة بنسبة من الربح.
(1) انظر اقتصادنا لمحمد باقر الصدر ص615 - 618
ولا يجوز تأجير الذهب والفضة لأن هذا ربا، والفرق بين الذهب والفضة وبين أدوات الإنتاج كالآلات مثلا في أن أدوات الإنتاج يجوز تأخيرها بخلاف الذهب والفضة أن أدوات الإنتاج تستهلك بالاستعمال فيستحق صاحبها الأجرة عليها مقابل ما يستهلك منها بخلاف الذهب والفضة فلا يستهلك بالاستعمال.
وختاما: فإن هذا البحث أحسب يبين الحل السليم للمشكلة الاقتصادية بعد تحديدها من وجهة النظر الإسلامية الصحيحة. وهذا الحل الذي استعرضته في هذا البحث بما فيه تكامل وتناسق وانسجام دليل يضاف إلى مئات الأدلة على صلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق في كل زمان ومكان وبأنها التشريع الوحيد الذي يحقق للإنسان سعادته في الدنيا والآخرة. وصدق الله القائل: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (1)، والقائل:{صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} (2).
والحمد لله رب العالمين
(1) سورة طه الآية 123
(2)
سورة البقرة الآية 138