الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد حكي عن غير واحد (1) ممن رام معارضة القرآن أنه اعترته روعة وهيبة كف بها عن ذلك.
ومما يدلك على قوة تأثيره أيضا: أنه لا يمل سماعه، ولا تبلى جدته، فلا تزيد تلاوته إلا حلاوة، ولا ترديده إلا محبة، ولا يزال غضا طريا كأنما الساعة نزل، مع أن غيره من الكلام - ولو كان بليغا فصيحا - تمجه الآذان مع الترديد. ويزداد النفور منه إذا أعيد. وقد تأثر بجماله وروعته الوليد بن المغيرة غاية التأثر حتى وصفه بقوله " إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، ما يقول هذا بشر ".
(1) حكي ذلك عن ابن المقفع ويحيى بن حكيم بليغ الأندلس في زمانه.
الوجه الثاني: إعجاز تشريعاته:
عرفت البشرية في عصور التاريخ المختلفة تشريعات كثيرة كان الغرض منها الأخذ بيد الناس نحو السعادة التي يصبو إليها بنو البشر.
وبالإمكان القول - دون مبالغة - إن تشريعات الإسلام المستمدة من الكتاب والسنة هي الوحيدة التي حققت السعادة لذلك المجتمع الإسلامي الذي ضم بين دفتيه أفرادا من أجناس شتى عاشوا في أصقاع متباعدة الأطراف عندما التزم ذلك المجتمع وحرص على تطبيقها وهي مازالت كفيلة بإضفاء السعادة على أفراد أي مجتمع ينشد تطبيقها والعمل على الالتزام بها.
وإعجاز القرآن التشريعي يستطيع أي متأمل أن يدركه فهو ليس بالإعجاز اللغوي الذي لا يعرفه إلا من عرف العربية وتعلمها وتذوقها، ذلك أن هذا التشريع تناول جوانب الحياة كلها (1).
فنظم علاقة الفرد بخالقه، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بغيره من أفراد مجتمعه - الذي يضم المسلمين وغيرهم - كما نظم أيضا علاقة المجتمع المسلم بالمجتمعات الأخرى في حالتي السلم والحرب.
ثم إن المتأمل يجد أن هذه التشريعات قد امتازت بخصائص لم تتوافر في غيرها من شمول وكمال وتوازن، وعدم تعارض واضطرب، فلا تجد في القرآن الكريم حكما يناقض آخر ولا معنى يعارض معنى مع أن القرآن نزل في ثلاث وعشرين سنة وآيات الأحكام فيه كثيرة، وصدق الله إذ يقول:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (2).
كما أن التشريعات امتازت باليسر ورفع الحرج، واتسمت أيضا بالعدل بين الناس، وساوت بينهم فنبذت التفرقة بين واحد وآخر أمام الله عز وجل {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (3).
كما أنها عملت على حفظ الضرورات الخمس في حياة الناس فحفظت الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل. فكانت بذلك كله موافقة لفطرة الإنسان تسير معها جنبا إلى جنب فجنبت الإنسان الوقوع في الشقاء والتخبط.
ولعل من أبرز ما امتازت به هذه التشريعات صلاحيتها لكل زمان ومكان فما من حادثة تجد إلا ولها حكم شرعي يستنبطه العلماء العارفون بالكتاب والسنة.
(1) خلاف، أصول الفقه: 32 - 33 وانظر: سالم المدخل إلى الثقافة الإسلامية 259
(2)
سورة النساء الآية 82
(3)
سورة الحجرات الآية 13