الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخلجان تجري بعضها إلى بعض في دائم الأوقات، والرياح والغيوم والأمطار لا تنقطع عنها في شيء من الأوقات، ولكن في أماكن مختلفة البقاع شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، مثل الليل والنهار (113) والصيف والشتاء، وفي بلدان شتى.
والمعادن والنبات والحيوان قائم في الكون والفساد، فما في الأرض موضع إلا وهناك معدن أو نبات أو حيوان، باختلاف صورتها ومزاجها وأجناسها وألوانها وأنواعها لا يعلم تفصيلها إلا الله، وهو صانعها ومدبرها، وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبّة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس، إلّا في كتاب مبين.
تتمة لا تقطع السياق
فالذي يعتمد عليه جماهيرهم، أن الأرض مدورة كالكرة موضوعة في جوف الفلك كالملح في البيضة، وأنها في الوسط، ولا ينكر هذا إلّا جاهل بالبرهان والعقل، هكذا وضعها الحكيم العليم، وبعدها في الفلك من جميع الجوانب على التساوي، هذا هو الحق.
وزعم هشام بن الحكم المتكلم «1» أن تحت الأرض جسما من شأنه الارتفاع.
قال: وهو المانع للأرض من الانحدار، وهو ليس محتاجا إلى ما يعمده، لأنه ليس يطلب الانحدار بل الارتفاع. وقال أبو الهند: إن الله وقفها بلا عماد. وعلّله ديمقراطيس بأنها تقوم على الماء، وقد حصر الماء تحتها حتى لا تجد مخرجا فتضطر إلى استقلال، وهذا الرأي قريب من رأي هشام بن الحكم. وقال بعض المتكلمين
إنها واقفة على الوسط، على مقدار واحد من كل جانب، والفلك يحد بها من كل وجه، فلذلك لا تميل إلى ناحية من الفلك دون أخرى، لأن قوة الأجزاء مكافئة؛ مثال ذلك حجر المغناطيس وجذبه الحديد، فإن الفلك بالطبع مغناطيسيّ للأرض، فهو يجذبها، فإذا كان كذلك فهي واقفة في الوسط كقنديل النصارى. ومنهم من قال إنها واقفة في الوسط، وسبب وقوفها سرعة تدوير (214) الفلك ودفعه إياها من كل جهة إلى الوسط، من ذلك أنك إذا جعلت ترابا أو حجرا في قارورة، وأديرت بقوة في الحرط «1» والتدوير، فإن التراب والحجر المذكورين يقوم في الوسط.
وقال محمد بن أحمد الخوارزمي «2» : الأرض في وسط السماء، والوسط هو السفل بالحقيقة «3» ، وأنها مدورة مضرّسة من جهة الجبال البارزة والوهاد الغائرة، وذلك لا يخرجها عن الكرة إذا اعتبرت جملتها، لأن مقادير الجبال، وإن شمخت، يسيرة بالقياس إلى كرة الأرض، فإن الكرة التي قطرها ذراع أو ذراعان، إذ نتأ منها شيء أو غار فيها، لا يخرجها عن الكرة ولا هذه التضاريس، لإحاطة الماء بها من جميع جوانبها وغمرها، بحيث لا يظهر منها شيء، فحينئذ تبطل الحكمة المودعة في المعادن والنبات والحيوان، فسبحان من لا يعلم أسرار حكمه إلّا هو.