الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحرارة المعدن تنضجهما على اعتدال، ولم يعرض لها عارض من البرد واليبس قبل إنضاجهما، فينعقد ذلك على طول الزمان ذهبا إبريزا. وإن كان الزئبق والكبريت صافيين، وأنضج الكبريت والزئبق إنضاجا تاما، وكان الكبريت أبيض، انعقد ذلك فضة. وإن وصل إليه قبل استعمال النضج برد عاقد يولد الخارصيني. وإن كان الزئبق صافيا والكبريت رديئا، وفيه قوة محرقة، تولّد النحاس. وإن كان الكبريت غير جيد المخالطة مع الزئبق، تولد الرصاص. وإن كان الزئبق والكبريت رديئين، وكان الزئبق أرضيا متخلخلا، والكبريت محترقا، تولد الحديد. وإن كانا مع رداءتهما ضعيفي التركيب، تولد الأسرب. فبسبب هذا «1» الاختلاف في الاختلاطات اختلفت أجناس الجواهر المعدنية، وهي العوارض التي تعرض لكيفيتها مفرطة أو قاصرة، ودل على ذلك كله تجربة أهل الصناعة.
ولنذكر بعض ما ذكر في كل واحد منها وعجيب خواصها.
الذهب
حار «2» لطيف، أشد «3» اختلاط الأجزاء به الترابية والمائية، والترابية لا تحترق بالنار، لأن النار لا تقدر على تفريق أجزائه؛ ولا يبلى بالتراب، ولا يصدى على طول الزمان. وهو لين أصفر برّاق حلو الطعم طيب الرائحة، ثقيل رزين «4» . أما صفرة لونه فمن ناريته، ولينه من دهنيته، وبريقه من صفاء مائيته، وثقله من ترابيته «5» .
وهو أشرف نعم الله تعالى على عباده، إذ به قوام أمور الدنيا ونظام أحوال الخلق، لاضطرارهم إليه في حاجاتهم، فإن كل إنسان محتاج إلى أعيان كثيرة من مطعمه ومشربه وملبسه ومسكنه وسائر حاجاته، ولعله [لا]«1» يملك ما يستغني عنه كمن يملك (80) الثياب، فلا بد من متوسط يرغب فيه كل أحد، فخلق الله الدراهم والدنانير متوسطين الأشياء حتى يبذلا «2» في مقابلة كل شيء، ويبذل في مقابلتهما كل شيء، كالقاضيين بين الناس يقضيان حوائج كل من لقيهما. ولهذه العلة فخّم الله تعالى أمر كنزهما وإخفائهما، فقال وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ
«3» الآيات. لأن المقصود منها تداولها بين الناس لقضاء حوائجهم، فمن كنزهما فقد أبطل الحكمة التي خلقا لها.
وذكر بعض العلماء أن عزة الذهب ليس لقلة وجوده فإن الذهب أكثر من النحاس والحديد، وكيف لا؟ وأنه دائما يستخرج من المعادن ولا يتطرق إليه القوى والتلف بخلاف النحاس والحديد، فإنهما يتلفان بطول المكث، بل السبب في ذلك أن من ظفر بشيء منه دفنه، فالذي تحت الأرض أكثر من الذي يتعامل عليه الناس.
ومن خواصه ما ذكر أرسطاطاليس أنه يقوي القلب، ويدفع الصرع إن علق على إنسان، ويمنع الفزع؛ ومن اكتحل بميل ذهب جلا عينيه وقواها، وحسّن النظر؛ وإن ثقبت شحمة الأذن بإبرة من ذهب لم يلتحم، وأن كوي به مكان جرح لم ينفط «4» وبرأ سريعا.
وقال ابن سينا «5» : إمساكه في الفم يزيل البخر، وينفع من أوجاع القلب والخفقان وحديث النفس.