الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثاني في الأحجار
«1»
وهي أجسام متولدة من مياه الأمطار والأنداء التي احتبست في جوف الأرض إن كانت شفافة، أو من امتزاج الماء بالأرض إن كان في الأرض لزوجة وأثرت فيها حرارة الشمس تأثيرا شديدا.
أما القسم الأول، فاعلم أنه إذا احتبست مياه الأمطار والأنداء في المغارات والكهوف والأهوية «2» ، ولا يخالطها شيء من الأجزاء الأرضية، وأثرت فيها حرارة المعدن، وطال وقوفها هناك، فإنها تزداد صفاء وثقلا وغلظا فتنعقد منها الأحجار الصلبة التي لا تتأثر من الماء والنار، كأنواع اليواقيت وما شاكلها؛ فذهب قوم إلى أن اختلاف ألوانها بسبب حرارة المعدن وكثرتها وقلتها، وذهب آخرون إلى أن ذلك بحسب أنوار الكواكب إلى أن يدل على ذلك النوع من الجواهر ومطارح شعاعاتها على تلك الأماكن، فزعموا أن السواد لزحل، والخضرة للمشتري، والحمرة للمرّيخ، والصفرة للشمس، والزرقة للزهرة، والمتلون لعطارد، والأبيض للقمر.
وأما القسم الثاني، فيتولد من امتزاج الماء والأرض إذا كانت فيها لزوجة، وأثرت فيها حرارة الشمس مدة طويلة، كما ترى أن النار إذا أثرت في اللبن كيف تصلّبه وتصيره آجرا، فإن الآجر صنف من الحجر تختلف باختلاف أماكنها، فإن كانت في بقاع سبخة تولدت منها أنواع الأملاح والبوارق والشبوب «3» ، وإن كانت في بقاع وأماكن غضّة «4» رطبة تولد فيها أنواع الزاجات الأحمر والأصفر
والأخضر، وإن كانت في بقاع ترابية وطين حر انعقد حجرا مطلقا. وقد ينعقد الحجر في بعض المواضع من الماء، أو من خاصية ذلك الموضع. «1» وترى في بعض المواضع أن الماء (86) يتقاطر من السقف فإن أخذ قبل أن يقع على الأرض يبقى ماء، وإن نزل حتى يقع على الأرض فإنه يصير حجرا صلدا، فعلم أن في ذلك الموضع خاصية في عقد ذلك الماء حجرا.
وحكي أن في بعض المواضع مسخ الله الحيوان والنبات حجرا صلدا، وأخبر عن ذلك المسافرون، ورأوه عيانا، فجاز أن يكون بهذا الطريق، وهو أن الله تعالى أفاض على تلك الأرض قوة عند غضبها لغضبه عليهم- سبحانه- فظهرت تلك القوة من جوف الأرض إلى وجهها، فصيّرت كل شيء فيه مائية حجرا صلدا ليكون عبرة للحاضرين وتذكرة للغائبين، وأثرا لسخط الله وغضبه على العاصين.
وحكى الشيخ الرئيس «2» : أنه كان على الجبل الذي بجاجرم «3» فرأى جردقا «4» من الخبز أطرافها ناتئة ووسطها مقعّر، كما يكون بجرادق الخبز، وعلى ظهرها خطوط كما يكون للخبز من آثار شق التنور، فبواسطة هذه العلامات يغلب على الظن ولا شك الناظر إليه إن كان خبزا فمسخه الله حجرا. فالجواهر
المعدنية كثيرة لا يعرف الناس منها إلا القليل، ولا بد من إيراد ما وصلت القدرة الإنسانية إليه على قدر التحصيل، وما ذاك من عجائب صنع الله فيه إلا القليل، فنقول:
إن الأحجار- كما قلنا- منها ما هو صلب لا يذوب بالنار، ولا يعمل فيه الفؤوس، كأصناف اليواقيت، ومنها ما هو تراب رخو يذوب في الماء كالأملاح والزّاجات، ومنها ما هو نبات كالمرجان «1» ، ومنها ما يخرج من الحيوان كالدّر واللآلئ، ومنها ما يتولد في الهواء كأحجار الصواعق، ومنها ما ينعقد في الأرض بواسطة الماء للعلل المذكورة أولا، ومنها ما هو مصنوع كإقليميا «2» الذهب والفضة والزنجفر والزنجار، ومنها ما بينهما ألفة كالذهب والماس، فإن الماس إذا قرب من الذهب تشبث به حتى إنه يقال أن الماس لا يوجد إلّا في معادن الذهب، ومنهما ما بينهما مجاذبة شديدة (87) حتى إن كل واحد منهما يجذب الآخر إليه كالعاشق والمعشوق، كالحديد والمغناطيس، فإن بين هذين المعدنين ميلا شديدا، فإذا شمّ أحدهما رائحة الآخر سرى إليه وأمسكه إمساكا شديدا، ولم يفارقه إلا بجاذب يجذبه، ومنهما ما بينهما مخالفة كالسنبادج وسائر الأحجار، فإنه يحكها ويجعلها ملساء، وكالأسرب والماس فإن الماس يقهر سائر الأحجار، والأسرب يقهره، ومنها ما فيه قوة منظفة كالنوشاذر فإنه ينظف سائر الأحجار من الوسخ، وجميع ما قلناه ليس جامعا لخواص الأحجار ولكن أوردناه على سبيل التعجب والمثال ليكون لحكمة الله تعالى في إيجاده الوجود على سبيل الأنموذج، وإلّا فالأمر أعظم مما ذكر، وإلا فما وصل الناس كلهم إلّا إلى قليل من كثير، وهذا حين نذكر الأحجار مرتبة على حروف المعجم على ما