الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يجري من المشرق إلى المغرب، ومنها ما يجري من المغرب إلى المشرق، ومنها ما يجري من الجنوب إلى الشمال، ومنها ما يجري من الشمال إلى الجنوب، وكل هذه الأنهار تبتدئ من الجبال وتنتهي إلى البحار وإلى البطائح، وفي ممرها المدن والقرى، وما فضل (220) ينصب إلى البحار، وتختلط بالماء المالح، ثم يرق ويلطف ويتصاعد في الهواء بخارا، وتتراكم منه الغيوم، فتسوقه الرياح إلى الجبال والبراري وينزل هناك، ويجري في الأودية والأنهار ويسقي البلاد، ويرجع فاضلها إلى البحر، ولا يزال هذا دأبها، وتدور كالدولاب بتقدير العزيز العليم إلى أن يبلغ «1» الكتاب أجله.
ثم لا يشك في أن في جوف الأرض مسام ومنافذ، وفيها إما ماء وإما هواء، على ما قدمنا ذكره، فإن كان هواء فإنه يصير ماء، ويسير ويلحقه، أو بغير ذلك من الأسباب، أو ماء على حاله ومائيته مدد صلبة، فتمنعه من جهة أخرى، فلا يسع ذلك الأرض، فيشقها ويظهر على وجهها إن أمكن، وله قوة الخروج وليست للأرض.
تتميم لما سبق
ذكر أبو الريحان الخوارزمي «2» في كتابه الآثار الباقية «3» : أن باليمن ربما حفروا فبلغوا صخرة عرفوا أن تحتها ماء، فنقروها نقرة يعرفون بصوتها مقدار الماء،
ثم ينقبونها نقبا صغيرا ويرونها، فإن كانت سليمة قوّروها، وإن كانت مجوفة عجلوا سدّها بالجص والكلس، فإن منها ما يخشى منه مثل سيل العرم، وإن لم يكن لها قوة الخروج. أو كانت الأرض صلبة فتحتاج إلى العلاج، وهو أن ينحى عنه التراب حتى يظهر كماء الآبار والقنوات، هذا إذا لم تكن مادتها كما ذكرنا من الأوشال بطريق النز «1» ، فسببها ظاهر.
أما سبب اختلاف العيون التي في جوف الأرض وكهوف الجبال، من الملوحة والعفوصة والكبريتية والنفطية، فعلّة حرارتها أن المياه تسخن في الشتاء تحت الأرض وتبرد في الصيف، بسبب أن الحرارة والبرودة ضدّان، فلا يجتمعان في مكان واحد، في زمان واحد. فإذا جاء الشتاء، برد الجو، وقرت الحرارة، وأسخنت باطن الأرض وكهوف الجبال، فإن كانت مواضعها كبريتية بأن تنصب إليها رطوبات دهنية، كما قدمنا ذكره، بقيت الحرارة فيها دائمة (221) بواسطة تلك الرطوبات الدهنية، فلو جاز بهذه المواضع مياه أو جداول أو عروق نافذة، تسخن لمرورها هناك، وجوازها عليها، ثم تخرج على وجه الأرض حارّة حامية.
وان أصابها نسيم أو برد الجو فربما جمدت، أو كانت غليظة، وانعقدت فصارت زئبقا أو قيرا أو نفطا أو كبريتا أو ملحا أو بورقا أو ما شاكل ذلك، بحسب اختلاف تربها، وتغيرات أهوية أماكنها، كل ذلك بتدبير الحكيم العليم.