الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كونهم أطغى فلأنهم سمعوا المواعظ أمدا طويلا، وعتوا على الله بالمعاصي، مع طول مدة دعوة نوح لهم، وأصروا على الكفر واستكبروا استكبارا، مما ألجأه إلى الدعاء عليهم بقوله:{رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً} [نوح 26/ 71].
15 -
{وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى، فَغَشّاها ما غَشّى} أي وأسقط وقلب مدائن قوم لوط، بجعل عاليها سافلها، أهواها جبريل بعد أن رفعها، ثم أمطر الله عليهم حجارة من سجيل منضود، فغطّاها ما غطّاها من الحجارة والعذاب على اختلاف أنواعه، كما قال تعالى:{وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً، فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} [الشعراء 173/ 26]. وسميت المؤتفكة، لأنها ائتفكت أي انقلبت بهم، وصار عاليها سافلها.
وهذا الأسلوب من الإبهام فيه تهويل وتفخيم للأمر الذي غشاها، وتعميم للذي أصابهم. قال قتادة: كان في مدائن لوط أربعة آلاف ألف إنسان (أي 16000 ألفا) فانضرم عليهم الوادي شيئا من نار ونفط وقطران كفم الأتون.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
خصص الله سبحانه واحدا من المشركين عينه بسوء فعله للعبرة والعظة واستهجان ما فعل من معاوضة غيره في الدنيا بمال قليل، أعطى اليسير منه، ثم منع الباقي، على أن يتحمل عنه آثامه يوم القيامة.
2 -
إن نقطة الضعف الأساسية عند هذا، عدا سذاجة عقله الجاهلي البدائي، هو جهله بالغيب، لذا أنكر الله تعالى عليه مبيّنا: أعنده علم ما غاب عنه من أمر العذاب؟!
3 -
ذكّره الله تعالى بما جاء في صحف إبراهيم وموسى من مبادئ عشرة هي:
الأول-المسؤولية الفردية أو ألا يسأل أحد عن ذنب غيره، وهو مبدأ:
{وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} .
الثاني-كل إنسان وعمله، وكل امرئ وعطاؤه، ولا ثواب إلا بالعمل والنية الصالحة.
الثالث-العمل ذو أثر دائم، محفوظ في ميزان العامل، لا يضيع منه شيء، خيرا كان أو شرا.
الرابع-يجازى كل إنسان على عمله وسعيه جزاء أوفر، السيئة بمثلها، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف.
الخامس-إن مصير أو مردّ جميع الخلائق إلى الله عز وجل، فيعاقب المسيء، ويثيب المحسن.
السادس-خلق الله تعالى الضحك والبكاء، والسرور والحزن، وإن الله تعالى خصّ الإنسان بالضحك والبكاء من بين سائر الحيوان، وليس في سائر الحيوان من يضحك ويبكي غير الإنسان.
السابع-إن الله تعالى خلق الموت والحياة وأسبابهما.
الثامن-خلق الله سبحانه الصنفين المتضادين: الذكر والأنثى من شيء واحد هو النطفة: وهي الماء القليل.
التاسع: الله تعالى هو القادر على إعادة الأرواح إلى الأجساد للبعث، وهذا هو الحشر.
العاشر-أوجد الله تعالى التفاوت في الأرزاق بين الناس، فأغنى من شاء وأفقر من شاء.
والمبادئ الخمسة الأخيرة دالة على قدرة الله عز وجل، وقد أكّدها تعالى بإيراد أمثلة أو نماذج خمسة أخرى دالة على القدرة وهي:
الأول-الله سبحانه هو رب الشّعرى: وهو الكوكب المضيء الذي يطلع بعد الجوزاء في شدة الحر، وهما الشعريان: العبور التي في الجوزاء، والشّعرى الغميصاء التي في الذراع، وتزعم العرب أنهما أختا سهيل. وإنما ذكر أنه رب الشعرى، وإن كان ربا لغيره من سائر النجوم، لأن العرب كانت تعبده وهم حمير وخزاعة.
الثاني-أهلك الله تعالى قوم عاد العتاة الأشداء الجبارين بريح صرصر عاتية.
الثالث-أهلك الله عز وجل أيضا ثمود قوم صالح بالصيحة لتمردهم وبغيهم.
الرابع-أهلك الله سبحانه قوم نوح من قبل عاد وثمود، الذين كانوا أظلم وأطغى، لطول مدة نوح فيهم، حتى كان الرجل فيهم يأخذ بيد ابنه، فينطلق إلى نوح عليه السلام، فيقول: احذر هذا، فإنه كذّاب، وإن أبي قد مشى بي إلى هذا، وقال لي مثل ما قلت لك، فيموت الكبير على الكفر، وينشأ الصغير على وصية أبيه.
الخامس-دمّر الله مدائن قوم لوط عليه السلام، ائتفكت بهم، أي انقلبت وصار عاليها سافلها، وألبسها ما ألبسها من الحجارة، قال الله تعالى:{فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها، وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [الحجر 74/ 15].