الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى، لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى} أي ما مال بصر النبي صلى الله عليه وسلم عما رآه، وما تجاوز ما رأى، فرؤية جبريل وغيره من مظاهر ملكوت الله رؤية عين، وليست من خدع البصر، وهذا يؤكد أن المعراج كان بالروح والجسد.
لقد رأى في ليلة المعراج من آيات ربه العظام ما لا يحيط به الوصف، وهو جبرائيل على صورته، وسائر عجائب الملكوت. وهذا كقوله تعالى:{لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا} [الإسراء 1/ 17] دون تحديد المرئي للإشارة إلى تعظيمه وتفخيمه وأهميته. روى البخاري وغيره عن ابن مسعود أنه قال في الآية: رأى رفرفا أخضر من الجنة قد سدّ الأفق
(1)
. وعن ابن زيد: أنه رأى جبريل بالصورة التي هو بها.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
لله تعالى أن يقسم بما شاء، على ما شاء، في أي وقت يشاء، وقد أقسم بالنجوم (على أن اللام للجنس) أو بالثريا (على أن اللام لتعريف العهد) والعرب تسمي الثّريا نجما، وإن كانت في العدد نجوما. وأقسم به وقت هويّه وغروبه لأنه الوقت الذي يستفاد منه لمعرفة الجهات، أما إذا كان في وسط السماء، فيكون بعيدا عن الأرض، لا يهتدي به الساري، فإذا مال إلى الغروب تبين جانب المغرب من المشرق، والجنوب من الشمال.
2 -
المقسم عليه الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه راشد تابع للحق ليس بضال، والضال: الذي يسير على غير هدى بغير علم، والغاوي: هو العالم بالحق العادل عنه قصدا إلى غيره، والضلال في مقابلة الهدى، والغي في مقابلة الرشد. وبه نزّه
(1)
قال ابن عباس أيضا: رأي رفرفا أخضر سدّ أفق السماء.
الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وشرعه عن مشابهة أهل الضلال كاليهود والنصارى.
3 -
القرآن الكريم ليس كلاما للرسول صلى الله عليه وسلم وإنما هو وحي صادر من الله عز وجل.
4 -
قد يحتج بقوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى} من لا يجوّز لرسول الله صلى الله عليه وسلم الاجتهاد في الحوادث، وهذا خطأ، لأن المراد بالآية إثبات كون القرآن وحيا من عند الله، والقرآن ذاته أمره بالاجتهاد، وقد اجتهد صلى الله عليه وسلم في الحروب فيما لم يحرمه الله، وأذن لبعض المنافقين بالتخلف عن غزوة تبوك، فعاتبه ربه بقوله:{عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة 43/ 9].
5 -
كان الوحي من الله تعالى على قلب نبيه صلى الله عليه وسلم بوساطة جبريل، لقوله تعالى:{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى} وهو جبريل في قول سائر المفسرين، سوى الحسن، فإنه قال: هو الله عز وجل.
وقد وصف الله جبريل بأنه ذو قوة فائقة علما وعملا وحصافة في العقل ومتانة في الرأي.
6 -
رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية مرتين: مرة بدأت في أفق السماء، حينما استوى واستقام كما خلقه الله تعالى بالأفق الشرقي العلوي، فسد المشرق لعظمته.
ثم دنا جبريل بعد استوائه بالأفق الأعلى، من الأرض، فنزل بالوحي على النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي. وهذه هي المرة الأولى للرؤية، والنبي على الأرض. وكان جبريل قريبا من النبي صلى الله عليه وسلم بمقدار مسافة قوسين عربيتين أو أقل من ذلك.
7 -
لقد أوحى الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ما أوحى، ولم يبين الموحى به تفخيما لشأن الوحي، أو أوحى الله إلى عبده جبريل ما أوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم،
أو أوحى جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحاه الله إليه وكلمه به. وعلى كل حال مصدر الوحي الأصلي هو الله تعالى، وجبريل واسطة، ومحمد صلى الله عليه وسلم الموحى إليه.
والوحي: إلقاء الشيء بسرعة.
8 -
لم يكذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ما رآه من جبريل على صورته الحقيقية وآيات الله الإلهية العجيبة، وهي رؤية حقيقية بالبصر، وقيل: إنه رأى ما رآه بقلبه.
9 -
أنكر الله على كفار قريش ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، فقال:
كيف تجادلونه وتوردون شكوكم عليه، مع أنه رأى ما رأى عين اليقين؟! 10 - لقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام مرة أخرى عند سدرة المنتهى (وهي شجرة النّبق، وهي في السماء السادسة، أو في السماء السابعة، التي لا يحيط بها وصف) عند جنة المأوى التي تأوي إليها أرواح الملائكة والشهداء والمتقين، وينتهي إليها علم الأنبياء، ويعزب علمهم عما وراءها، كما قال ابن عباس.
قال ابن مسعود فيما ذكره المهدوي، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«رأيت جبريل بالأفق الأعلى، له ست مائة جناح، يتناثر من ريشه الدر والياقوت» .
والذي يغشى السدرة مبهم للتفخيم والتعظيم، مثل أنوار الله تعالى، والملائكة، والخلائق الدالة على عظمة الله تعالى.
11 -
لم يعدل بصر النبي صلى الله عليه وسلم يمينا ولا شمالا عما رأى بعينه يقينا، ولا تجاوز الحد الذي رأى.
12 -
لقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم من آيات ربه آيات هن أكبر الآيات، قال الرازي معقبا على قول من قال: إنه رأى جبريل عليه السلام في صورته: الظاهر أن هذه الآيات غير تلك.