الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن:
سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم».
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
أقسم الله تعالى بمساقط النجوم ومغاربها، وهو قسم عظيم لو يعلم الناس، على أن القرآن قرآن كريم، كثير النفع، ليس بسحر ولا كهانة، وليس بمفترى، بل هو قرآن كريم محمود، جعله الله تعالى معجزة لنبيه صلى الله عليه وسلم، وهو كريم على المؤمنين، لأنه كلام ربهم، وشفاء صدروهم، كريم على أهل السماء، لأنه تنزيل ربهم ووحيه.
قال القشيري عن صيغة القسم: {فَلا أُقْسِمُ..} .: هو قسم، ولله تعالى أن يقسم بما يريد، وليس لنا أن نقسم بغير الله تعالى وصفاته القديمة.
2 -
وصف الله تعالى القرآن في هذه الآيات بأربع صفات: هي أنه كريم، أي كثير الخير والنفع والفائدة، وفي كتاب مكنون، أي في اللوح المحفوظ، مصون عند الله تعالى، ومحفوظ عن الباطل والتغيير والتبديل، ولا يمس ذلك الكتاب إلا المطهرون من الذنوب، وهم الملائكة، ومنزل من رب العالمين.
والأصح أن المراد من الكتاب المكنون: اللوح المحفوظ. والضمير في {لا يَمَسُّهُ} للكتاب.
أما مس المصحف على غير وضوء، فالجمهور ومنهم أئمة المذاهب الأربعة على المنع من مسّه،
لحديث عمرو بن حزم المتقدم: «لا يمس القرآن إلا طاهر» وأجاز المالكية مسّ القرآن للمحدث لضرورة التعلم والتعليم.
وروي عن الحكم وحماد وداود بن علي الظاهري: أنه لا بأس بحمل القرآن
ومسّه للمسلم والكافر طاهرا أو محدثا، إلا أن داود قال: لا يجوز للمشرك حمله، واحتجوا في إباحة ذلك بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر، ورد عليهم بأنه موضع ضرورة، فلا حجة فيه. فيكون المنع من مس المصحف للمحدث ثابتا بالسنة، وليس مأخوذا من صريح الآية.
3 -
بعد إثبات النبوة وصدق الوحي والقرآن الكريم وبّخ الله تعالى المتهاونين بالقرآن المكذبين به، وهذا قلب للأوضاع، فإن الجاحدين جعلوا شكر الرزق من الله والإنعام هو التكذيب، فوضعوا الكذب مكان الشكر، كقوله تعالى:{وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال 35/ 8] أي لم يكونوا يصلّون، ولكنهم كانوا يصفّرون ويصفّقون مكان الصلاة.
قال القرطبي: وفي هذا بيان أن ما أصاب العباد من خير، فلا ينبغي أن يروه من قبل الوسائط التي جرت العادة بأن تكون أسبابا، بل ينبغي أن يروه من قبل الله تعالى، ثم يقابلونه بشكر إن كان نعمة، أو صبر إن كان مكروها، تعبّدا له وتذللا
(1)
.
4 -
تحدى الله منكري البعث بأنهم إن كانوا صادقين في زعمهم ألا بعث، وأنهم غير مجزيين ولا محاسبين ولا مبعوثين يوم المعاد، فليمنعوا الموت عن الإنسان حين الاحتضار، وليردوا الروح إليه إذا بلغت الحلقوم، وإذا انتفى الموت انتفى البعث، والحق أنهم عاجزون عن ذلك، لا يقدرون على شيء من هذا، وهم ينظرون إلى المحتضر محزونين آيسين، والله سبحانه أقرب إلى المحتضر بالقدرة والعلم والرؤية، ولكن الحاضرين حوله لا يدركون ذلك، ولا يرون الملائكة الرسل الذين يتولون قبض الروح.
5 -
الناس عند الاحتضار ثم الوفاة أصناف ثلاثة: المقربون السابقون،
(1)
تفسير القرطبي: 228/ 17
وأهل اليمين، وأهل الشمال. أما المقربون فلهم الرحمة والاستراحة، والرزق الواسع، والتنعم المطلق في الجنة، ورؤية الله عز وجل، فلا يحجبون عنه.
وأما أصحاب اليمين، فإنهم يسلمون من عذاب الله، ويسلم الله عليهم، وتسلّم الملائكة أيضا عليهم قائلين لهم: سلام لك من إخوانك أصحاب اليمين.
قال ابن مسعود: إذا جاء ملك الموت ليقبض روح المؤمن قال: ربك يقرئك السلام. وكذلك يسلم عليهم منكر ونكير عند المساءلة في القبر، وتسلم عليهم الملائكة عند البعث في القيامة، قبل الوصول إليها.
فالملائكة تسلم على صاحب اليمين في المواطن الثلاثة، ويكون ذلك إكراما بعد إكرام
(1)
.
وأما أصحاب الشمال المكذبون بالبعث، الضالون عن الهدى وطريق الحق، فلهم رزق من حميم: ماء تناهي حره، وإدخال في النار.
6 -
إن جميع هذا المذكور في هذه السورة محض اليقين وخالصة، وهو الحق الثابت الذي لا شك فيه، ولا محيد عنه. قال قتادة في هذه الآية: إن الله ليس بتارك أحدا من الناس حتى يقفه على اليقين من هذا القرآن، فأما المؤمن فأيقن في الدنيا فنفعه ذلك يوم القيامة، وأما الكافر فأيقن يوم القيامة حين لا ينفعه اليقين.
7 -
أمر الله نبيه والمؤمنين من بعده بأن ينزه الله تعالى عن السوء وعن كل ما لا يليق به، ما دام الحق قد ظهر، واستبان اليقين، وبطل زيف الكفار والمشركين.
(1)
المرجع السابق: ص 234