الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} يطلبون منه صراحة أو بلسان الحال كل ما يحتاجون إليه من الحدوث والبقاء للذوات، والسعادة والرزق في الأحوال. {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} كل وقت هو في أمر من الأمور، يحدث أشخاصا، ويجدّد أحوالا على ما سبق به قضاؤه في الأزل، من إحياء وإماتة، وإعزاز وإذلال، وإغناء وإعدام، وإجابة داع وإعطاء سائل، وغير ذلك.
المناسبة:
بعد تعداد النعم الدينية والدنيوية والأخروية، والاستدلال على قدرة الله وتوحيده في الأنفس والآفاق، نعى الحق سبحانه وتعالى الكون بأجمعه، وأخبر بأن جميع النعم الدنيوية والكائنات فانية، ولا يبقى إلا ذات الله تعالى.
التفسير والبيان:
{كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ، وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ} أي جميع من على الأرض من الناس والحيوانات، وكذلك أهل السموات إلا من شاء الله، سيفنون ويموتون، وتنتهي حياتهم جميعا، ولا يبقى إلا ذات الله سبحانه ذو العظمة والكبرياء، والإفضال والإكرام الذي يكرم به المخلصين من عباده، وهذه الصفة (صفة الجلال والإكرام) من عظيم صفات الله، وأعظم النعمة مجيء وقت الجزاء عقب ذلك،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن أنس: «ألظّوا بيا ذا الجلال والإكرام» أي الزموا ذلك في الدعاء، ومرّ صلى الله عليه وسلم برجل، وهو يصلي ويقول: يا ذا الجلال والإكرام، فقال:«قد استجيب لك» .
وفي الدعاء المأثور: يا حيّ يا قيّوم، يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت، برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك.
ونظير الآية: {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ، لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص 88/ 28] قال ابن كثير: وقد نعت تعالى وجهه الكريم في هذه الآية
الكريمة بأنه ذو الجلال والإكرام، أي هو أهل أن يجلّ فلا يعصى، وأن يطاع فلا يخالف، كقوله تعالى:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف 28/ 18] وكقوله إخبارا عن المتصدقين: {إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ} [الدهر 9/ 76]. وقال ابن عباس: ذو الجلال والإكرام: ذو العظمة والكبرياء
(1)
.
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} أي فبأي نعم الله هذه تكذبان أيها الإنس والجن، فالناس والمخلوقات جميعا يتساوون كلهم في الوفاة، ثم يصيرون إلى الدار الآخرة، فيحكم فيهم ذو الجلال والإكرام بحكمه العدل، والفناء طريق للبقاء، والحياة الأبدية، فكان في الفناء نعمة التساوي في الموت، ونعمة تعاقب الأجيال، ونعمة العدل المطلق، ونعمة الانتقال من الدار الفانية إلى الدار الخالدة الباقية دار الجزاء والثواب، ذات النعيم المادي والروحي الشامل، فكيف يكون منكم التكذيب بهذه النعم العظيمة؟! {يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} أي يطلب منه جميع أهل السماء والأرض كل ما يحتاجون إليه، فيسأله أهل السموات المغفرة، ولا يسألونه الرزق، وأهل الأرض يسألونه الأمرين جميعا (المغفرة والرزق) وتسأل لهم الملائكة أيضا الرزق والمغفرة، فلا يستغني عنه أهل السماء ولا أهل الأرض، والمادة تحتاج إلى ما يناسبها، والنبات يحتاج إلى ما يبقيه، والإنسان بحاجة إلى مقومات الحياة المادية والمعنوية، والحيوان مفتقر إلى عناصر البقاء.
وهذا إخبار عن غناه تعالى عما سواه، وافتقار الخلائق إليه في جميع الآنات، وأنهم يسألونه بلسان الحال والمقال، وأنه سبحانه كل يوم ووقت في شأن، ومن شأنه أنه يحيي ويميت، ويرزق، ويغني ويفقر، ويعزّ ويذلّ، ويمرض
(1)
تفسير ابن كثير: 273/ 4