الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أن ليس عدلا من كليب
…
إذا ما خار جاش
(1)
المستجير
وأنشد قصائد أخرى على هذا النمط.
التفسير والبيان:
{الرَّحْمنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ} أي إن الله الواسع الرحمة لخلقه في الدنيا والآخرة أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم القرآن لتعليم أمته وجعله حجة على الناس قاطبة، ويسّر حفظه وفهمه على من رحمه. وهذا جواب لأهل مكة القائلين:{إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل 103/ 16] ولما كانت هذه السورة لتعداد نعم الله التي أنعم بها على عباده، قدّم بيان أجل النعم قدرا، وأكثرها نفعا وهي نعمة تعليم القرآن عباده، فإنها مدار سعادة الدارين. ثم امتن بنعمة خلق الإنسان أداة إعمار الكون، فقال:
{خَلَقَ الْإِنْسانَ، عَلَّمَهُ الْبَيانَ} أي أوجد جنس الإنسان، وعلّمه النطق والتعبير عما في نفسه، ليتخاطب مع غيره، ويتفاهم مع أبناء مجتمعة، فيتحقق التعاون والتآلف والأنس، وبذلك اكتملت عناصر التعليم: الكتاب والمعلم وهما القرآن والنّبي، والمتعلم وهو الإنسان، وطريق التعلم وكيفيته وهو البيان.
ثم ذكر الله تعالى أمورا علوية هي مجال التعلم، فقال:
{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ} أي إن الشمس المشرقة المضيئة للنهار، والقمر نور الليل يجريان بحساب دقيق منظم مقدر معلوم في بروج ومنازل معلومة، لا يعدوانها، ويدلان بذلك على اختلاف الفصول وعدد الشهور والسنين، ومواسم الزراعة، وآجال المعاملات وأعمار الناس، ويحققان الفوائد الكثيرة للإنسان والنبات والحيوان، ويتعاقبان بحساب مقنن لا يختلف ولا يضطرب، كما
(1)
مخفف جأش وهو العزيمة، وقد تطلق على النفس مجازا.
قال تعالى: {فالِقُ الْإِصْباحِ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً، ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الأنعام 96/ 6].
ثم أورد الله تعالى بعض عوالم الأرض السفلى، فقال:
{وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ} أي أن النبات الذي لا ساق له، والشّجر الذي له ساق ينقادان طبعا لله تعالى فيما أراد، كما ينقاد الساجدون من المكلفين اختيارا، فإن ظهورهما من الأرض في وقت معين ولأجل محدد، وجعلهما غذاء للإنسان، ومتعة له شكلا ولونا ومقدارا وطعما ورائحة، انقياد لقدرة الله تعالى.
ثم نبّه الله تعالى إلى ظاهرة التوازن بين الأشياء، وضرورة التعادل في المبادلات، فقال:
{وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ، أَلاّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ} أي جعل السماء مرفوعة المحل والرتبة فوق الأرض، وأقام التوازن في العالمين العلوي والسفلي الأرضي، وأثبت في الأرض العدل الذي أمر به، لئلا تتجاوزوا العدل والإنصاف في آلة الوزن أثناء مبادلة الأشياء، كما قال تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ، وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ، لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد 25/ 57] فهذا نهي عن الطغيان في الوزن.
وأكّد على التزام العدل أو التعادل، فقال:
{وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ، وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ} أي قوّموا وزنكم بالعدل، ولا تنقصوه ولا تبخسوه شيئا، بل زنوا بالحق والقسط، كما قال تعالى:
{وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الشعراء 182/ 26].
وهذا التكرير لتأكيد الأمر بالعدل، ويلاحظ أنه سبحانه أمر أولا
بالتسوية، ثم نهى عن الطغيان الذي هو مجاوزة الحدّ بالزيادة، ثم نهى عن الخسران الذي هو النقص والبخس.
ثم ذكر نعمته في الأرض مقابل السماء، فقال:
{وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ} أي إنه تعالى كما رفع السماء، وضع الأرض ومهدها وبسطها لينتفع بها، وأرساها بالجبال الراسخات الراسيات ليستقر الأنام على وجهها، وهم الخلائق المختلفة الأنواع والألوان والأجناس والألسنة في سائر الأقطار، ثم أبان تعالى طرق معايش الناس فيها، فقال:
{فِيها فاكِهَةٌ، وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ، وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ} أي إن في الأرض كل ما يتفكه به من أنواع الثمار المختلفة الألوان والطعوم والروائح، وأشجار النخيل ذات أوعية الطلع الذي يتحول بعدئذ إلى تمر، وجميع ما يقتات من الحبوب كالحنطة والشعير والذرة ونحوها، ذات العصف وهو بقل الزرع:
وهو أول ما ينبت منه، أو هو التبن، وكل مشموم من النبات ذي الورق الذي تطيب رائحته. وتنكير كلمة الفاكهة وتعريف النخل، لأن الفاكهة تكون في بعض الأزمان وعند بعض الأشخاص، أما ثمر النخيل فهو قوت محتاج إليه في كل زمان متداول في كل حين وأوان وعند جميع الأشخاص.
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟} أي فبأي النعم المتقدمة تكذبان يا معشر الجن والإنس. فالخطاب مع الثقلين: الإنس والجن. وقد عرفنا أن هذه الآية كررت في السورة إحدى وثلاثين مرة بعد كل خصلة من النعم، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين، لتأكيد التذكير بالنعم، ولتقريرهم بها، وللتنبيه على أهميتها، والنعم محصورة في دفع المكروه وتحصيل المقصود. وقوله:{رَبِّكُما} لبيان أن مصدر هذه النعم من الله المربي الذي يتعهد عباده بالتربية والتنمية، فيكون هو الجدير بالحمد والشكر على ما أنعم.