الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ} أي يوم يكون أولئك الكفار في ذلك اليوم ذليلة أبصارهم من الذل والهوان، يخرجون من القبور على هذه الحال من الذل، كأنهم لكثرتهم واختلاطهم وانتشارهم وسرعة سيرهم إلى موقف الحساب إجابة للداعي جراد منتشر منبثّ في الآفاق، مختلط بعضه ببعض.
وهذا كقوله تعالى: {يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة 4/ 101].
{مُهْطِعِينَ إِلَى الدّاعِ، يَقُولُ الْكافِرُونَ: هذا يَوْمٌ عَسِرٌ} أي مسرعين إلى الداعي، وهو إسرافيل دون تلكؤ ولا تأخر، يقول الكفار: هذا يوم صعب شديد الهول على الكفار، ولكنه ليس بشديد على المؤمنين.
ونظير الآية: {فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ، عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر 9/ 74 - 10]. وهذا يدل بطريق المفهوم على أنه يوم هيّن يسير على المؤمنين.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
اقتراب موعد يوم القيامة، فكل آت قريب، وإن مرور عشرات القرون بعد نزول هذه الآية وأمثالها لا يعد شيئا في حساب عمر الدنيا الذي قدّر بخمسة مليارات سنة.
2 -
حدوث انشقاق القمر بمكة في عهد النّبي صلى الله عليه وسلم معجزة له، قال القرطبي: وقد ثبت بنقل الآحاد العدول أن القمر انشق بمكة، وهو ظاهر التنزيل، ولا يلزم أن يستوي الناس فيها، لأنها كانت آية ليلية، وأنها كانت
باستدعاء النّبي صلى الله عليه وسلم من الله تعالى عند التحدي
(1)
.
وقال الرازي: وأما المؤرخون فتركوه، لأن التواريخ في أكثر الأمر يستعملها المنجم، وهو لما وقع الأمر قالوا بأنه مثل خسوف القمر، وظهور شيء في الجو على شكل نصف القمر في موضع آخر، فتركوا حكايته في تواريخهم، والقرآن أدل دليل، وأقوى مثبت له، وإمكانه لا يشك فيه، وقد أخبر عنه الصادق، فيجب اعتقاد وقوعه
(2)
.
والقائلون بأن الأخبار الواردة بشأن انشقاق القمر أخبار آحاد غير متواترة يرون أن منكر ذلك لا يكفر، لعدم التواتر في السنة، وكون الآية ليست نصا في ذلك.
3 -
دلّ قوله تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا} على أن المشركين رأوا انشقاق القمر.
قال ابن عباس: اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا:
إن كنت صادقا فاشقق لنا القمر فرقتين، نصف على أبي قبيس ونصف على قعيقعان، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن فعلت تؤمنون؟» قالوا: نعم، وكانت ليلة بدر، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربّه أن يعطيه ما قالوا، فانشق القمر فرقتين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي المشركين:«يا فلان، يا فلان اشهدوا» .
ويؤيده حديث ابن مسعود المتقدم في سبب النزول.
4 -
لم يجد المشركون طريقا لتكذيب آية الانشقاق إلا بأن يصفوه بأنه سحر محكم قوي شديد، من المرّة وهي القوة، أو دائم نافذ مطرد، أو ذاهب، من قولهم: مرّ الشيء واستمر: إذا ذهب.
(1)
تفسير القرطبي: 126/ 17
(2)
تفسير الرازي: 28/ 29
5 -
لقد كذبوا نبيهم واتبعوا ضلالاتهم واختياراتهم وآراءهم الباطلة في أن انشقاق القمر خسوف عرضي للقمر.
6 -
هددهم الله تعالى بأن كل أمر مستقر، أي يستقر بكل عامل عمله، فالخير مستقرّ بأهله في الجنة، والشرّ مستقرّ بأهله في النار، وكل أمر صائر إلى غاية، وأن أمر محمد صلى الله عليه وسلم سيصير إلى حدّ يعرف منه حقيقته، وكذلك أمرهم مستقر على حالة البطلان والخذلان.
7 -
لقد أعذر من أنذر، وجاء هؤلاء الكفار من أنباء الأمم الخالية ما يزجرهم عن الكفر لو قبلوه، وأخبرهم الرسول باقتراب القيامة، وأقام الدليل على صدقه، ووعظهم بأحوال القرون الخالية وأهوال الدار الآخرة.
8 -
الأنباء التي في القرآن الكريم أو القرآن نفسه حكمة بالغة النهاية في الكمال والبيان.
9 -
إذا كذّب الكفار وخالفوا وعاندوا وأصروا على كفرهم، فليست تغني عنهم النذر، فتكون «ما» نافية في قوله:{فَما تُغْنِ النُّذُرُ} . ويجوز أن تكون استفهاما بمعنى التوبيخ، أي فأي شيء تغني النذر عنهم، وهم معرضون عنها؟! والنذر بمعنى الإنذار، أو جمع نذير.
10 -
إذا كان هذا شأن الكفار، فأعرض يا محمد عن مجادلتهم ومحاجتهم، ولا تسأل عنهم وعن أحوالهم، واذكر يوم يدع الداعي: إسرافيل إلى شيء فظيع عظيم شديد تنكره نفوسهم لشدة أهواله، وهو موقف الحساب ويوم القيامة.
11 -
في يوم القيامة يخرج الكفار من قبورهم ذليلة أبصارهم، كأنهم لكثرتهم واختلاطهم وتموجهم جراد منتشر مبثوث في كل مكان. وقال تعالى في آية أخرى:{يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة 4/ 101]. قال القرطبي: فهما صفتان في وقتين مختلفين: