الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبة:
بعد بيان العظة والعبرة في قصتي إبراهيم ولوط عليهما السلام، من أجل الإيمان بقدرة الله، عطف تعالى على ذلك قصص أقوام آخرين، عذبوا على تكذيب الرسل بعذاب الاستئصال، وهم فرعون موسى وأتباعه، وعاد وثمود، وقوم نوح، وقد تبين في تعذيبهم نهاية الطغاة والمكذبين والكفار الظالمين، ليثوب الناس إلى رشدهم، ويؤمنوا بالله وبالبعث، ويكفّوا عن تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم والكفر برسالته.
التفسير والبيان:
{وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ، فَتَوَلّى بِرُكْنِهِ وَقالَ:}
{ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} أي وتركنا في قصة موسى عليه السلام آية وعبرة، حين أرسلناه إلى الطاغية فرعون الجبار بشيرا ونذيرا بحجة ظاهرة واضحة هي المعجزات كالعصا واليد وما معها من الآيات.
فأعرض استكبارا وعنادا ونأى عن آياتنا بجانبه، واعتز بجنده وجموعه وقوته، وقال محقرا شأن موسى: هو إما ساحر أو مجنون، إذ لم يستطع تفسير ما رآه من الخوارق، إلا بنسبته إلى السحر أو الجنون، كما في آية أخرى:{إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ} [الشعراء 34/ 26] وآية: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء 27/ 26].
{فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ، فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ، وَهُوَ مُلِيمٌ} أي فأخذناه مع جنوده أخذ عزيز مقتدر، فألقيناهم في البحر، وفرعون آت بما يلام عليه من الكفر والطغيان وادعاء الربوبية والعناد والفجور.
وهذا دليل آخر على عظمة القدرة الإلهية على إذلال الجبابرة، جزاء عتوهم واستكبارهم في الأرض بغير الحق.
ثم ذكر الله تعالى قصة عاد، فقال:
{وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ، ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} أي وتركنا أيضا في قصة عاد آية وعبرة، حين أرسلنا عليهم ريحا صرصرا عاتية، لا خير فيها ولا بركة، لا تلقح شجرا، ولا تحمل مطرا، إنما هي ريح الإهلاك والعذاب، فلا تترك شيئا مرّت عليه من الأنفس البشرية والأنعام والأموال إلا جعلته كالشيء الهالك البالي.
ثم أبان الله تعالى قصة ثمود، فقال:
{وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ: تَمَتَّعُوا حَتّى حِينٍ، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ} أي وتركنا في قصة ثمود آية، حين قلنا لهم: عيشوا متمتعين في الدنيا إلى وقت الهلاك، كما قال تعالى:{تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ، ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود 65/ 11].
فتكبروا عن امتثال أمر الله، فنزلت بهم صاعقة من السماء أهلكتهم، والصاعقة: هي كل عذاب مهلك، وهم يرونها عيانا بالنهار، أو هم ينتظرون ما وعدوه من العذاب، وذلك أنهم انتظروا العذاب ثلاثة أيام، فجاءهم في صبيحة اليوم الرابع بكرة النهار، جزاء وفاقا لما اقترفوا من آثام ومعاص.
{فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ، وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ} أي لم يقدروا على القيام والهرب من تلك الصرعة، بل أصبحوا في دارهم هلكى جاثمين، ولم يكونوا ممتنعين من عذاب الله، ولم يجدوا نصيرا ينصرهم ويدفع عنهم العذاب.
ثم أعقبه بقصة قوم نوح، فقال:
{وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ، إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ} أي وأهلكنا بالطوفان قوم نوح من قبل هؤلاء، لتقدم زمنهم على زمن فرعون وعاد وثمود، لأنهم كانوا قوما خارجين عن طاعة الله، متجاوزين حدوده.