الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات اللغوية:
{خَلَقَ الْإِنْسانَ} أصل الإنسان وهو آدم {صَلْصالٍ} طين يابس له صلصلة أي صوت، إذا نقر {كَالْفَخّارِ} وهو الخزف: وهو ما طبخ من طين أو الطين المطبوخ حتى يتحجر. {وَخَلَقَ الْجَانَّ} أصل الجن وهو إبليس {مارِجٍ} لهب خالص لا دخان فيه {مِنْ نارٍ} بيان لمارج: فإنه في الأصل الشيء المضطرب.
{رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} أي مشرقي الشتاء والصيف، ومغربهما. {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} أرسلها وأجراهما، يقال: مرجت الدابة في المرعى، أي أرسلتها فيه، والبحران: العذب والملح.
{يَلْتَقِيانِ} يتجاوران في المصب دون فصل مرئي بينهما. {بَرْزَخٌ} حاجز من قدرة الله تعالى.
{لا يَبْغِيانِ} لا يبغي أحدهما على الآخر، فيختلط به أو يمتزج.
{يَخْرُجُ مِنْهُمَا} أي يخرج من أحدهما وهو الملح {اللُّؤْلُؤُ} صغار الدرّ المخلوق في الأصداف. {وَالْمَرْجانُ} كبار الدرّ أو الخرز الأحمر. {الْجَوارِ} السفن، جمع جارية.
{الْمُنْشَآتُ} المصنوعات المحدثات، أو الرافعات أشرعتها. {كَالْأَعْلامِ} كالجبال عظما وارتفاعا، جمع علم: وهو الجبل العالي الطويل.
المناسبة:
بعد تعداد أصول النعم على بني الإنسان وخلق العالم الكبير من السماء والأرض، أراد الله تعالى إيضاح أحوال بعضها، وهي أصل خلق الإنسان والجانّ وهو العالم الصغير، وبيان مشرق الشمس ومغربها وسلطانه عليهما، وعلى البحار وما فيها من لآلئ ومرجان، وما يسير على سطحها من مراكب عظيمة كالجبال، مما يدلّ على وحدانية الله وقدرته.
التفسير والبيان:
{خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخّارِ} أي خلق الله تعالى أصل الإنسان من طين يابس يسمع له صلصلة، أي صوت إذا نقر، يشبه الفخار، أي الخزف:
وهو الطين المطبوخ بالنار، للدلالة على صلابة الإنسان وتماسك أجزائه.
وقد تنوعت عبارات القرآن في بيان هذا، باعتبار مراتب الخلق:{مِنْ تُرابٍ} ، {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} أي طين متغير، أو {مِنْ طِينٍ لازِبٍ} أي لاصق باليد، من صلصال، فهذا إشارة إلى أن آدم عليه السلام خلق أولا من التراب، ثم صار طينا، ثم حمأ مسنونا، ثم لازبا، ثم كالفخار، فكأنه خلق من هذا ومن ذاك، ومن ذلك.
{وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ} أي وأوجد الجنّ من طرف النار، وهو المارج، أي الشعلة الصاعدة ذات اللهب الشديد، التي لا لهب فيها، المختلط الألوان المضطرب، كالأصفر، والأحمر، والأخضر وغيرها.
أخرج الإمام أحمد ومسلم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجانّ من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» .
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} أي فبأي نعم الله يا معشر الثقلين: الإنس والجن تكذبان أو تنكران مما هو واقع ملموس؟! {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} أي ربّ مشرقي الشمس في الصيف والشتاء، وربّ مغربي الشمس في الصيف والشتاء، وبهما تتكون الفصول الأربعة، وتختلف أحوال المناخ من برد وحرّ واعتدال، وغير ذلك من المنافع العظيمة للإنسان.
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} أي فبأي نعم الله هذه تكذبان أو تنكران؟ وأما قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ} [المعارج 40/ 70] فذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم وبروزها منه إلى الناس.
وقوله سبحانه في آية أخرى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} [المزمل 9/ 73]، فالمراد منه جنس المشارق والمغارب.
ولما كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس
قال: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} ؟ فالشمس تشرق صيفا من مدار السرطان في نصف الكرة الشمالي، ومن مدار الجدي في الجنوب صيفا، حيث يكون الشتاء في الشمال، فلو ثبتت الشمس في شروق وغروب واحد لتعطلت المواسم والزراعة في الصيف والشتاء.
وبعد بيان نعم الله في البر، ذكر نعمه في البحر، فقال:
{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ، بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ} أي أرسل البحرين ملحا وعذبا متلاقيين، لا فصل بينهما في مرأى العين، ومع ذلك فبينهما حاجز يحجز بينهما، لا يبغي أحدهما على الآخر، بالامتزاج والاختلاط، وإنما يظلان منفصلين، كما قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ: هذا عَذْبٌ فُراتٌ، وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ، وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً} [الفرقان 53/ 25].
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} أي فبأي هذه النعمة أو المنفعة تكذبان أيها الإنسان والجن؟ فالعذب للشرب وسقي النبات والحيوان، والملح لتطهير تجمع الماء من الجراثيم، وإصلاح طبقة الهواء، وإخراج اللؤلؤ والمرجان، كما قال تعالى:
{يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ} أي يخرج من أحدهما-على حذف مضاف-وهو الملح {اللُّؤْلُؤُ} : وهو الدّر الذي يتكون في الصدف، {وَالْمَرْجانُ}: الخرز الأحمر المعروف.
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} فبأي نعم الله الظاهرة لكم تكذبان يا معشر الجن والإنس؟ فإن في ذلك من الآيات ما لا يستطيع أحد تكذيبه، ولا يقدر على إنكاره.
{وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ} أي والله الذي خلق وألهم صنع