الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} خلقناه وأخرجناه من المعادن. {فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} أي تتخذ منه آلات الحرب والصناعات الثقيلة والمباني الضخمة ونحو ذلك، والبأس: القوة. {وَمَنافِعُ لِلنّاسِ} يدخل في صناعات كثيرة مفيدة للناس. {وَلِيَعْلَمَ اللهُ} علم مشاهدة وظهور في الواقع الحاصل. {مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ} من ينصر دينه وينصر رسله باستخدام الأسلحة وآلات الحرب من الحديد وغيره في مجاهدة الكفار الأعداء. {بِالْغَيْبِ} غائبا عنهم في الدنيا، قال ابن عباس: ينصرونه ولا يبصرونه.
{إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ} على إهلاك من أراد إهلاكه. {عَزِيزٌ} لا حاجة له إلى نصرة عباده، وإنما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به وينالوا ثواب الامتثال فيه.
المناسبة:
بعد بيان حال الدنيا وحال الآخرة، أراد الله تعالى أن يبين الغرض من بعثة الرسل المؤيدين بالمعجزات والحجج القاطعات، ويرشد إلى مقومات الرسالات والشرائع الإلهية لتنظيم حياة المجتمعات، وإعزاز دين الله ونصرة رسله.
وأما وجه المناسبة بين الكتاب والميزان والحديد في الآية، فإن العلماء ذكروا وجوها سبعة أظهرها: أن الدين إما اعتقادات أو معاملات أو أصول وفروع، والاعتقادات أو الأصول لا تتم إلا بالكتاب السماوي، لا سيما إذا كان معجزا، والمعاملات أو الفروع لا تصلح ولا تنتظم إلا بالميزان وهو العدل، ولا بد من مؤيد يحمي نظم الشرائع، وذلك المؤيد هو الحديد لتأديب من ترك الأصلين أو الطريقين، وهما الاعتقاد ونظام التعامل
(1)
.
وهذا إشارة إلى أن الكتاب يمثل سلطة التشريع، والعدل يمثل سلطة القضاء، وإنزال الحديد يمثل السلطة التنفيذية.
التفسير والبيان:
{لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ} أي تالله لقد أرسلنا الملائكة إلى الأنبياء بالوحي، والأنبياء إلى أممهم
(1)
تفسير الرازي: 240/ 29 وما بعدها، غرائب القرآن للنيسابوري: 101/ 27 وما بعدها.
لتبليغ الوحي، بالمعجزات البينة والشرائع الظاهرة والحجج والبراهين القاطعة، وأنزلنا معهم الكتاب أي جنسه الشامل لكل كتاب سماوي كالتوراة والزبور والإنجيل والقرآن، وأنزلنا معهم الميزان، أي العدل في الأحكام، أي أمرناهم به، ليتبع الناس ما أمروا به من الحق والعدل، وتقوم حياتهم عليه، فيتعاملوا بينهم بالإنصاف في جميع أمورهم الدينية والدنيوية، فهم الحراس على تنفيذ الأحكام واحترام الشرائع واتباع الرسل.
{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ} أي وخلقنا الحديد مع المعادن، وعلّمنا الناس صنعته، وجعلناه رادعا لمن أبي الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه، ففيه قوة رادعة، وفيه منافع للناس ينتفعون به في كثير من حاجاتهم ومعايشهم، كأدوات الطعام ومرافق المنازل وإقامة المباني والعمارات، ومرافق الحياة الاقتصادية وآلات الزراعة، وأدوات الصناعة السلمية والحربية، الخفيفة والثقيلة من آلات وأسلحة وفطارات وبواخر وطائرات وسيارات وغيرها. فكلمة الحديد إشارة إلى القوة الرادعة لتنفيذ أحكام الشريعة بين المسلمين ومن يتعايش معهم في داخل الدولة، ولجهاد الأعداء الدين يعتدون على حرمات الدين وبلاد الإسلام ويعرقلون انتشاره في العالم.
لهذا أقام الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة توحى إليه السور المكية لإصلاح العقيدة والأخلاق وجدال المشركين وإيضاح أصل التوحيد وإثبات النبوة بالمعجزات الباهرات، فلما قامت الحجة على الناس المخالفين، شرع الله الهجرة، وأذن بالقتال دفاعا عن استقرار العقيدة وكرامة المسلمين وعزتهم، وكفالة احترام تعاليم القرآن.
روى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبّه بقوم فهو منهم» .