الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبة:
بعد أن بيّن الله تعالى أن كل ما في الآخرة من مغفرة وجنة من فضله ورحمته، أراد أن يبين أن كل ما في الدنيا من مصائب وأحداث بقضائه وقدره، لتهوين أمر المصيبة على المؤمنين.
ثم حذر الله تعالى من الحزن على ما فات من نعيم الدنيا، والبطر والاختيال والمباهاة عند مجيء النعمة، ثم أخبر أنه يعاقب المختالين الفخورين الذين يبخلون بما يجب عليهم شرعا، بل ويأمرون الناس بالبخل، وهؤلاء لا يجنون إلا على أنفسهم.
التفسير والبيان:
{ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها} أي لا توجد مصيبة من هذه المصائب في الدنيا إلا وهي مكتوبة عند الله، فهي بقضاء وقدر، سواء أكانت مصيبة في الأرض مثل القحط والجدب أو قلة النبات، وفساد الزرع، ونقص الثمار، وغلاء الأسعار، وتتابع الجوع، أم في الأنفس كالأمراض، والفقر وضيق المعاش، وذهاب الأولاد، وإقامة الحدود، فذلك كله مسطّر في اللوح المحفوظ، من قبل إيجاد هذه الخليقة.
وقوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها} الأحسن عود الضمير على الخليقة والبرية أو النسمة، لدلالة الكلام عليها، كما قال ابن جرير.
{إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} أي إن إثباتها في الكتاب، مع كثرتها، وعلمه بالأشياء قبل وجودها، سهل يسير على الله، غير عسير، لأن الله هو الخالق، وهو أعلم بما خلق، يعلم ما كان وما سيكون وما لا يكون. ورد في الخبر:(من عرف سر الله في القدر، هانت عليه المصائب). وقد استدل العلماء بهذه الآية على أنه تعالى عالم بالأشياء قبل وقوعها.
فالأشياء والأحداث والمصائب تنسب إلى الله الموجد لها، لا إلى أحد من البشر في الحقيقة، وأما ما يقال من التشاؤم (الطيرة) في المرأة والدابة والدار، فذلك بحسب عرف الناس وتصوراتهم ومقالاتهم، لا في واقع الأمر، كذلك السحر والعين والقتل كل ذلك يحدث بتأثير الله، فهو المؤثر والفعال الحقيقي، وأما فعل الناس فهو مجرد أمر أو سبب في الظاهر، فينسب إليه الشيء الحادث ظاهرا، لا حقيقة. وإنما قيد المصائب بكونها في الأرض والأنفس لقصرها على أحوال الدنيا، لذا
قال صلى الله عليه وسلم: «جفّ القلم بما هو كائن إلى يوم الدين» ولم يقل: إلى الأبد.
أخرج الإمام أحمد، والحاكم وصححه عن أبي حسان: أن رجلين دخلا على عائشة رضي الله تعالى عنها فقالا: «إن أبا هريرة يحدّث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار» ، فقالت: والذي أنزل القرآن على أبي القاسم صلى الله عليه وسلم ما هكذا كان يقول، ولكن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان أهل الجاهلية يقولون: إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار»، ثم قرأت:{ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ} الآية.
{لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ، وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ} أي أخبرناكم بذلك لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من نعيم في الدنيا، ولا تفرحوا فرح بطر بما هو آت، فلا تأسوا على ما فاتكم، لأنه لو قدر شيء لكان، ولا تفرحوا بما جاءكم أو أعطاكم، أي لا تفخروا على الناس بما أنعم الله به عليكم، فإن ذلك من قدر الله ورزقه لكم، لذا قال تعالى:
{وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ} أي إن الله يعاقب كل مختال في نفسه، أي متكبر، فخور على غيره، أي مباه بماله أو جاهه.
وبه يتبين أن الحزن المذموم: هو الذي لا صبر لدى صاحبه، ولا رضا