الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شق ذلك على المسلمين، فنزلت:{ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} .
وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق بسند فيه نظر، من طريق عروة بن رويم عن جابر بن عبد الله قال:«لما نزلت {إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ} وذكر فيها {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} بكى عمر، وقال: يا رسول الله، آمنا بك، وصدقناك، ومع هذا كله، من ينجو منا قليل، فأنزل الله تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر، فقال: يا عمر بن الخطاب، قد أنزل الله فيما قلت، فجعل {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ}، فقال عمر: رضينا عن ربنا وتصديق نبينا» .
والخلاصة: أن كلتا الروايتين مشكوك فيهما.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى الصنف الثالث من الناس يوم القيامة، وهم السابقون، ذكر ما يتمتعون به من أنواع النعيم في الفرش والخدم والطعام والشراب والنساء والأحاديث الخالية من اللغو والفحش والإثم، مع إفشاء السلام بينهم.
التفسير والبيان:
{ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} أي إن السابقين السابقين المقربين هم جماعة كثيرة لا يحصر عددهم، من الأمم السابقة، من لدن آدم إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، وقليل من هذه الأمة، وسموا قليلا بالنسبة إلى من كان قبلهم وهم كثيرون، لكثرة الأنبياء فيهم، وكثرة من أجابهم.
والدليل على أن (القليل) من أمة محمد صلى الله عليه وسلم
قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان وأحمد والنسائي عن أبي هريرة: «نحن الآخرون، السابقون يوم القيامة»
ويستأنس لهذا القول
بما رواه الإمام أحمد وأبو محمد بن أبي حاتم وابن المنذر وابن مردويه عن أبي هريرة قال: «لما نزلت {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، ثلث أهل الجنة، بل أنتم نصف أهل الجنة، أو شطر أهل الجنة، وتقاسمونهم النصف الثاني» .
أما أصحاب اليمين كما يأتي وهم أهل الجنة، فإنهم كثيرون من هذه الأمة، لأنهم كل من آمن بالله ورسوله وعمل صالحا، فإنهم ثلة من الأولين، وثلة من الآخرين، فلا يمتنع أن يكون في أصحاب اليمين من هذه الأمة من هو أكثر من أصحاب اليمين من غيرهم، فيجتمع من قليل سابقي هذه الأمة، ومن ثلة أصحاب اليمين منها من يكوّن نصف أهل الجنة، كما في الحديث المتقدم.
والخلاصة: إن مجموع هذه الأمة كثرة على من سواها، وإن سابقي الأمم السوالف أكثر من سابقي أمتنا، وتابعي أمتنا أكثر من تابعي الأمم. وإن كثرة سابقي الأولين ليس إلا بأنبيائهم، فما على سابقي هذه الأمة بأس إذا كثرهم سابقو الأمم بضم الأنبياء عليهم السلام
(1)
.
ثم وصف الله تعالى حال المقربين، فقال:
{عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ، مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ} أي هم في الجنة حالة كونهم على أسرّة منسوجة بخيوط الذهب، مشبكة بالدرّ والياقوت والزبرجد، مستقرّين على السرر، متكئين عليها متقابلين مواجهة، لا ينظر بعضهم قفا بعض، فهم في بسط وسرور، وصفاء وحبور، لا يملّون ولا يكلون، ولا يتخاصمون ولا يتشاحنون، وهم مخدومون كما قال تعالى:
(1)
تفسير الآلوسي: 134/ 27
{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ} أي يدور عليهم للخدمة غلمان أو صبيان أو خدم لهم، مخلّدون على صفة واحدة، لا يهرمون ولا يتغيرون، ولا يبعد أن يكونوا كالحور العين مخلوقين في الجنة، للقيام بهذه الخدمة.
{بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ، لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ} أي يطوفون عليهم بأقداح مستديرة الأفواه لا آذان لها ولا عرى ولا خراطيم، وأباريق ذات عرى وخراطيم، وكؤوس مترعة من خمر الجنة الجارية من الينابيع والعيون، ولا تعصر عصرا كخمر الدنيا، فهي صافية نقية، لا تتصدع رؤوسهم من شربها، ولا يسكرون منها، فتذهب عقولهم.
قال ابن عباس: في الخمر أربع خصال: السكر، والصداع، والقيء، والبول، فذكر الله تعالى خمر الجنة، ونزهها عن هذه الخصال.
{وَفاكِهَةٍ مِمّا يَتَخَيَّرُونَ، وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمّا يَشْتَهُونَ} أي ويطوفون عليهم مما يختارونه من ثمار الفاكهة، وأنواع لحوم الطيور التي يتمنونها وتشتهيها نفوسهم، مما لذّ وطاب، علما بأن لحم الطير أفضل من غيره من اللحوم وألذ. والحكمة في تقديم الفاكهة على اللحم: أنها ألطف، وأسرع انحدارا، وأيسر هضما، وأصح طبا، وأكثر تحريكا لشهوة الأكل وتهيئة النفس للطعام.
{وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} أي ولهم نساء حور بيض، مع شدة سواد سواد العين، وشدة بياض بياضها، وواسعات الأعين حسانها، مثل أنواع اللآلي والدرر المستورة التي لم تمسها الأيدي صفاء وبهجة، وبياضا وحسن ألوان، كما في آية أخرى:{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات 49/ 37]. والكاف في قوله:
{كَأَمْثالِ} للمبالغة في التشبيه.
{جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} أي يفعل بهم ذلك كله، للجزاء على أعمالهم، أو مجازاة لهم على ما أحسنوا من العمل.