الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمنشور: المبسوط المفتوح، وتنكيرهما للتعظيم والإشعار بأنهما ليسا من المتعارف فيما بين الناس.
{وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} الكعبة المعمورة بالحجاج والزوار والمجاورين. {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} هو السماء. {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} البحر المملوء ماء، وهو المحيط، أو الموقد المحمى المملوء نارا، من قوله تعالى:{وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ} [التكوير 6/ 81] من سجّر النار: أوقدها، روي أن الله تعالى يجعل يوم القيامة البحار نارا تسجر بها جهنم.
{لَواقِعٌ} لنازل بالمستحقين. {ما لَهُ مِنْ دافِعٍ} يدفعه أو يمنعه عن المستحقين. والمراد بهذه الأمور المقسم بها على وقوع عذاب الله يوم القيامة أنها تدل على كمال قدرة الله وحكمته، وصدق أخباره، وضبط أعمال العباد للمجازاة.
{تَمُورُ} تتحرك وتضطرب وتدور وترتجّ في مكانها. {وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً} أي تسير عن وجه الأرض، فتصير هباء منثورا، وذلك في يوم القيامة الذي يقع فيه العذاب. {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} أي إذا وقع ذلك فويل لهم، أي شدة عذاب. {فِي خَوْضٍ} باطل.
{يَلْعَبُونَ} يتشاغلون بكفرهم.
{يُدَعُّونَ} يدفعون دفعا شديدا بعنف. {هذِهِ النّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ} أي فيقال لهم ذلك. {أَفَسِحْرٌ هذا؟} أي أسحر هذا العذاب الذي ترون، كما كنتم تقولون في الوحي: هذا سحر. {أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} بل أنتم لا تبصرون هذا أيضا، كما كنتم لا تبصرون في الدنيا ما يدل عليه، وهو تقريع وتهكم. {اِصْلَوْها} ادخلوها وقاسوا شدائدها. {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا} ادخلوها على أي وجه شئتم من الصبر وعدمه وهو الجزع، فإنه لا محيص لكم عنها. {سَواءٌ عَلَيْكُمْ} أي الأمران: الصبر والجزع سواء، لأن صبركم لا ينفعكم. {إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} تعليل للاستواء، لأنه لما كان الجزاء واجب الوقوع، كان الصبر وعدمه سببين في عدم النفع.
التفسير والبيان:
يقسم الله تعالى بمخلوقاته الدالة على كمال قدرته في إيقاع العذاب بأعدائه دون أن يكون هناك دافع له عنهم، فيقول:
{وَالطُّورِ، وَكِتابٍ مَسْطُورٍ، فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} أقسم الله سبحانه بجبل طور سيناء الذي فيه أشجار، تشريفا له وتكريما، لما حدث فيه من حادث عظيم وهو تكليم الله موسى فيه، وأنزل عليه التوراة التي كتبت بحروف منتظمة، في جلد رقيق مبسوط. وكانت الجواد أكثر ما يكتب فيها قبل اختراع الورق.
فقوله: {وَكِتابٍ مَسْطُورٍ} يشمل الكتب المنزلة المكتوبة التي تقرأ على الناس جهارا، كالتوراة والزبور والإنجيل والقرآن. وقيل: هو اللوح المحفوظ.
وقرن الكتاب بالطور، لإنزاله على موسى وهو فيه، وقوله:{مَنْشُورٍ} إشارة إلى الوضوح.
{وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ، وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} أي والكعبة المشرفة التي تعمر بالحجاج والزوار والمجاورين الذين يقصدونها للعبادة والدعاء والتبرك بها. والسماء العالية التي هي كالسقف للأرض وما حوتها من شموس وأقمار وكواكب ثابتة وسيّارة وعوالم لا يحصيها إلا الله تعالى.
والبحر المملوء ماء، المحبوس عن الأرض اليابسة، والموقد نارا كالتنّور المحمى الذي يتفجر بالنار الملتهبة يوم القيامة، كما قال تعالى:{وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ} [التكوير 6/ 81] روي: أن البحار تسجر يوم القيامة، فتكون نارا.
ومن المعروف أن النفط يستخرج من قاع البحار كالأرض اليابسة، وتتصاعد منه بين الحين والآخر الزلازل والبراكين.
وقرن السقف المرفوع بالبيت المعمور ليعلم شأن الكعبة، وأماكن شعائر الإسلام، وعظمة قدر النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي ناجى ربه فيه قائلا:«سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لا أحصي ثناء عليك كما أثنيت على نفسك» . كما أن يونس عليه السلام كلّم ربه في البحر قائلا: {لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ، سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ} [الأنبياء 87/ 21].
وتنكير الكتاب وتعريف باقي الأشياء لتعظيمه وشهرة معرفته، حتى إنه ما احتاج إلى تعريف، أما بقية الأشياء فاحتاجت إلى التعريف.
ثم ذكر الله تعالى جواب القسم قائلا:
{إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ، ما لَهُ مِنْ دافِعٍ} هذا هو المقسم عليه أو جواب القسم، أي أقسم بتلك المخلوقات العظيمة على أن عذاب الآخرة لواقع كائن لا محالة
لمن يستحقه من الكافرين والعصاة الذين كذبوا الرسل، ليس له دافع يدفعه ويردّه عن أهل النار. وقوله:{لَواقِعٌ} فيه إشارة إلى الشدة. وقوله:
{عَذابَ رَبِّكَ} ليأمن النبي وكل مؤمن حين يسمع لفظ الرب، فإن اسم الله منبئ عن العظمة والهيبة، واسم الرب ينبئ عن اللطف.
ثم بيّن الله تعالى ما يصاحب وقوع العذاب يوم القيامة، فقال:
{يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً، وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً} أي إن العذاب لواقع يوم تضطرب السماء اضطرابا ويموج بعضها في بعض موجا، وتتحرك في مكانها، وتزول الجبال من مواضعها كسير السحاب، وتصير هباء منبثا، وتنسف نسفا.
والحكمة في مور السماء وسير الجبال: الاعلام بألا عودة إلى الدنيا، لخرابها وعمارة الآخرة، لأن الأرض والجبال والسماء والنجوم كلها لعمارة الدنيا والانتفاع لبني آدم بها، فإن لم يؤمل العود إليها، لم يبق فيها نفع.
ثم ذكر الله تعالى من يقع عليه العذاب وينزل عليه يوم القيامة، فقال:
{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ، الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} أي ويل-وهي كلمة تقال للهالك-لأولئك الذين كذبوا الرسل، ذلك اليوم، من عذاب الله ونكاله بهم وعقابه لهم، فمن لا يكذّب لا يعذّب بنحو دائم، والمكذبون الذين كانوا في الدنيا في تردد وخوض في الباطل، واندفاع فيه، لا يذكرون حسابا، ولا يخافون عقابا، ويتخذون دينهم هزوا ولعبا، ويخوضون في أمر محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب والاستهزاء. والفاء في قوله:{فَوَيْلٌ} لاتصال المعنى وهو الاعلام بأمان أهل الإيمان. أما أهل الكبائر فلا يستمر تعذيبهم ولا يخلّدون في النار، لأنهم لا يكذّبون الرسل.
وأسلوب إلقاء المكذبين في النار هو ما ذكره تعالى بقوله: