الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{رَفْرَفٍ} وسائد، جمع رفرفة. {وَعَبْقَرِيٍّ} طنافس منقوشة عجيبة الوشي نادرة. {تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} تقدس وتنزه اسم الله الذي يطلق على ذاته. {ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ} أي ذي العظمة والكبرياء، أو ذي العظمة والتكريم عن كل ما لا يليق به، أو الإفضال والإنعام على عباده.
المناسبة:
ذكر الله تعالى في الآيات السابقة بعض أوصاف الجنة التي هي ثواب المتقين الخائفين ربهم، ثم أردفه بأوصاف أخرى للجنة، مبينا أولا أن ثواب الخائفين جنتان، وثواب آخر مثله وهو جنتان أخريان.
التفسير والبيان:
{وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ، مُدْهامَّتانِ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} أي وهناك جنتان أخريان للخائفين، أو هناك جنتان أخريان، دون اللتين قبلهما في المرتبة والفضيلة، لمن دون أصحاب الجنتين السابقتين من أهل الجنة، تقدم
في الحديث: جنتان من ذهب آنيتهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، فالأوليان للمقرّبين، والأخريان لأصحاب اليمين. وفي الجنتين السابقتين أشجار وفواكه وغير ذلك، وكذا هاتان الجنتان خضراوان، فهما من شدة خضرتهما سوداوان في رأي العين، من شدة الري المائي. وقد فسر ابن عباس وأبو أيوب الأنصاري وغيرهما من الصحابة والتابعين قوله تعالى:
{مُدْهامَّتانِ} بأنهما خضراوان، وذلك مروي في حديث عن أبي أيوب أخرجه الطبراني وابن مردويه.
فبأي نعم الله تكذبان أيها الإنس والجن؟ فالجنتان في غاية المتعة والنضرة والخضرة، ولكنهما دون الجنتين المتقدمتين في الرتبة والفضيلة، فهناك جنتان ذواتا أفنان، أي أغصان وأشجار وفواكه، وهنا جنتان خضراوان.
{فِيهِما عَيْنانِ نَضّاخَتانِ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} أي في الجنتين عينان
فيّاضتان فوّارتان بالماء العذب، فهناك جنتان تجريان، وهنا جنتان فوّارتان، والجري أقوى من النضخ، قال البراء بن عازب: العينان اللتان تجريان خير من النضاختين. فبأي نعم الله هذه تكذبان أيها الإنس والجن؟ {فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} أي في هاتين الجنتين فاكهة كثيرة متنوعة، ومنها ثمر النخيل والرمان، وإفرادهما بالذكر من بين سائر الفواكه ليس من عطف الخاص على العام كما ذكر البخاري وغيره، وإنما لمزيد حسنهما، وكثرة نفعهما بالنسبة إلى سائر الفواكه، ولشرفهما على غيرهما، لدوامهما وكونهما غذاء ودواء، ولوجودهما في الخريف والشتاء.
وقد قال هناك: {فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ} وقال هنا: {فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ} ولا شك أن الأولى أعم وأكثر في الأفراد والتنويع، من قوله:{فاكِهَةٌ} فهي نكرة في سياق الإثبات لا تعم.
فبأي نعم الله تكذبان يا إنس ويا جن، فإن هذه النعم تستحق الحمد والشكر.
{فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} أي في هاتين الجنتين نساء حسان الخلق والخلق، أو هن ذوات فضل، خيّرات فاضلات الأخلاق، حسان الوجوه، فالخيّرات جمع خيّرة، وهي المرأة الصالحة الحسنة الخلق، الحسنة الوجه، وهو قول الجمهور، بدليل
ما روى الحسن عن أم سلمة قالت:
وفي حديث آخر أن الحور العين يغنين: نحن الخيرات الحسان، خلقنا لأزواج كرام.
وقال قتادة: المراد خيرات كثيرة حسنة في الجنة.
{حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} أي إن هؤلاء النساء الخيرات حور شديدات البياض، وفي عيونهن حور، أي واسعات الأعين، مع صفاء البياض، مخدرات محجبات مستورات في خيام الجنة المكونة من الدرّ المجوفة، فلسن مترددات في الشوارع والطرقات. وقد وصفت نساء الجنتين هناك بأنهن {قاصِراتُ الطَّرْفِ} فهن أعلى منزلة من هؤلاء المذكورات في هذه الآية:{مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ} لأنه لا شك أن التي قد قصرت طرفها بنفسها أفضل ممن قصرت، وإن كان الجميع مخدرات. والعرب يمدحون ويؤثرون النساء الملازمات للبيوت، لتوافر الصون، فبأي نعم الله هذه ونحوها تكذبان؟! {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} أي لم يمسّهن ولم يجامعهن قبل ذلك أحد من الإنس والجن، توفيرا للمتقين الخائفين ربّهم، فبأي نعم الله تكذبان؟! وقد زاد في وصف نساء الجنتين السابقتين بقوله:{كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} .
{مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} أي وهم في الجنة متكئون مستندون على وسائد خضراء، وبسط منقوشة بديعة فاخرة متقنة الصنع، فبأي نعم الله تكذبان أيها الإنس والجن؟! وقد وصف الله مرافق الجنتين الأوليين بما هو أرفع وأولى من هذه الصفة، فإنه تعالى قال هناك:
{مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} .
وختمت الصفات المتقدمة بقوله: {هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ} فوصف أهلها بالإحسان وهو أعلى مراتب العبادة.
{تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ} أي تقدس وتنزه الله صاحب العزة والعظمة والتكريم على ما أنعم به على عباده المخلصين، فهو أهل أن يجل فلا يعصى، وأن يكرم فيعبد، ويشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى.