الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقلنا لهم على ألسنة الملائكة: ذوقوا ألم عذابي وتبعة إنذاراتي.
ثم ذكر تعالى نوع العذاب العام الذي أصابهم ووقته، فقال:
{وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ} أي لقد أتاهم صباحا عذاب مستقرّ بهم، نازل عليهم، لا يفارقهم ولا ينفك أو يحيد عنهم، كما قال تعالى:{إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} [هود 81/ 11] والعذاب المستقر: الثابت الذي لا محيد عنه أو الذي استقر عليهم إلى الاستئصال الكلي.
ثم أوضح تعالى العبرة وحكى ما قيل لهم، فقال:
- {فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ} أي فذوقوا جزاء أفعالكم ومقتضى إنذاركم السابق.
- {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ، فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أي ولقد سهلنا آيات القرآن للاتعاظ والتذكر، فهل من متعظ معتبر. وهذه الجملة الواردة عقب القصص الأربع للتأكيد والتنبيه والاتعاظ والزجر، كما تقدم.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
لما كذب قوم لوط نبيهم، أرسل الله عليهم ريحا ترميهم بالحصباء وهي الحصى، فلا عقاب دون جريمة، ولا عذاب قبل إنذار.
2 -
نجّى الله تعالى نبيه لوطا عليه السلام ومن تبعه على دينه، ولم يكن إلا بنتاه، وتمت النجاة في وقت السحر آخر الليل، إنعاما من الله على لوط وبنتيه، ومثل ذلك الجزاء يجازي الله كل من آمن بالله وأطاعه، أي أن ذلك الإنجاء كان فضلا من الله ونعمة، كما أن ذلك الإهلاك كان عدلا. وفيه فائدة وهي الدلالة
على الثواب في الدار الآخرة، كما تحققت النجاة في الدنيا، أي كما أنعمنا عليهم ننعم عليهم يوم الحساب.
3 -
لا عقاب أيضا إلا بعد إنذار، فلقد أنذر لوط عليه السلام قومه، وخوّفهم عقوبة ربهم، وأخذه إياهم بالعذاب الدنيوي والأخروي، فشكّوا فيما أنذرهم به الرسول، ولم يصدقوه. وفي هذا تبرئة لوط عليه السلام وبيان أنه أتى بما عليه.
4 -
اقترن مع كفرهم جريمة كبري أخرى هي اقترافهم الفواحش، بل إنهم أرادوا من لوط عليه السلام تمكينهم ممن كان أتاه من الملائكة في هيئة الأضياف، طلبا للفاحشة.
5 -
لما أصرّوا على الاعتداء على الملائكة، واقتحام منزل لوط عليه السلام، أعماهم الله مع صحة أبصارهم، فلم يروهم. ويروى أن جبريل عليه السلام ضربهم بجناحه فعموا. قال الضحاك: طمس الله على أبصارهم، فلم يروا الرسل، فقالوا: لقد رأيناهم حين دخلوا البيت، فأين ذهبوا؟ فرجعوا ولم يروهم.
6 -
قال الله لهم على ألسنة الملائكة: ذوقوا عذابي الذي أنذركم به لوط، والمراد بذوق العذاب مجازاة الفعل وموجبه.
7 -
لقد صبّحهم أول النهار، وقت الصبح عذاب دائم عام، استقر فيهم، حتى يفضي بهم إلى عذاب الآخرة. وفائدة قوله:{بُكْرَةً} تبيين حدوث العذاب في أول النهار، لأن التصبيح يطلق على الإتيان في أزمنة كثيرة من أول الصبح إلى ما بعد الإسفار، فإذا قال:{بُكْرَةً} أفاد أنه كان أول جزء منه.
8 -
كرر الله تعالى للتأكيد ما قالته الملائكة لهم: ذوقوا العذاب الذي نزل بكم من طمس الأعين، غير العذاب الذي أهلكوا به، لأن العذاب كان مرتين:
أحدهما-خاص بالمراودين، والآخر عام.