الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملك العظيم، الخالق للأشياء كلها ومقدّرها، والمقتدر على ما يشاء، مما يطلبون ويريدون.
أخرج أحمد ومسلم والنسائي عن عبد الله بن عمرو، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال:«المقسطون عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولّوا» .
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
1 -
كل من ارتكب جرما وعوقب بعقاب معين، فإن ذلك العقاب مستحق لأمثال أولئك المجرمين، فليس كفار العرب أو قريش خيرا من كفار من تقدم من الأمم الذين أهلكوا بكفرهم، وليس لهم صك براءة أو وثيقة بالسلامة من العقوبة في الكتب المنزلة على الأنبياء.
2 -
زعم كفار قريش أنهم منتصرون على المؤمنين بسبب كثرة عددهم وقوتهم، وضعف المسلمين وقلتهم، غير أن موازين القوى البشرية تختل في ميزان القدرة والحكمة والتوفيق الإلهي:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ، وَاللهُ مَعَ الصّابِرِينَ} [البقرة 249/ 2].
لذا قال تعالى هنا: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} أي سيهزم جمع كفار مكة، وقد كان ذلك يوم بدر وغيره. وهذا من دلائل صدق النبوة، قال ابن عباس: كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين. فالآية على هذا مكية، بل والسورة كلها مكية كما تقدم. أخرج البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: لقد أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة، وإني لجارية ألعب:{بَلِ السّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ، وَالسّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ} . وقد تقدم حديث ابن عباس وقصة أبي بكر يوم بدر.
3 -
إن تعذيب الكفار لا يقتصر على الدنيا بالقتل والأسر والهزيمة والذل والهوان، وإنما لهم عذاب آخر في الآخرة أشد وأعظم، وأدهى وأمرّ، وأدوم وأخلد..
4 -
إن الكفار والمشركين في حيدة عن الحق واحتراق في نار جهنم، ويجرّون على وجوههم في النار بقصد الإذلال والإهانة.
5 -
الله تعالى خالق كل شيء وخالق أفعال العباد كلها دون جبر ولا إكراه عليها: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ} [الصافات 96/ 37] وقوله تعالى هنا: {إِنّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ} فالله قادر، غير أنه لم يجبر أحدا على ما يفعله بل تركه لاختياره وحريته.
ويعد المشركون قدرية لإثباتهم القدرة على الحوادث لغير الله من الكواكب، وطائفة القدرية من المسلمين يوصفون بهذا الوصف لقولهم: لا قدرة لله على تحريك العبد بحركة، كالصلاة والزنا، وإنما العبد يخلق أفعال نفسه.
قال القرطبي: والذي عليه أهل السنة: أن الله سبحانه قدّر الأشياء، أي علم مقاديرها وأحوالها وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد منها ما سبق في علمه أنه يوجده على نحو ما سبق في علمه، فلا يحدث حدث في العالم العلوي والسفلي إلا وهو صادر عن علمه تعالى وقدرته وإرادته دون خلقه، وأن الخلق ليس لهم فيها إلا نوع اكتساب ومحاولة ونسبة وإضافة، وأن ذلك كله إنما حصل لهم بتيسير الله تعالى بقدرته وتوفيقه وإلهامه، سبحانه لا إله إلا هو، ولا خالق غيره، كما نص عليه القرآن والسنة، لا كما قالت القدرية وغيرهم من أن الأعمال إلينا، والآجال بيد غيرنا.
قال أبو ذرّ رضي الله عنه: قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: الأعمال إلينا والآجال بيد غيرنا، فنزلت هذه الآيات إلى قوله:{إِنّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ} فقالوا: يا محمد يكتب علينا الذنب
ويعذبنا؟ فقال: «أنتم خصماء الله يوم القيامة»
(1)
.
6 -
إن نفاذ أمر الله في خلقه سريع أسرع من لمح البصر، وما هي إلا كلمة واحدة، وهو قوله للأمر:«كن» .
7 -
كرر الله تعالى تحذيره وتوبيخه للمشركين، ونبّههم إلى أنه أهلك أشباههم في الكفر من الأمم الخالية، فهل من يتذكر؟! 8 - جميع ما فعلته الأمم قبل المشركين وجميع ما تفعله بعدهم من خير أو شر كان مكتوبا عليهم في اللوح المحفوظ أو في كتب الحفظة، وكل ذنب صغير أو كبير مكتوب على عامله قبل أن يفعله ليجازى به، ومكتوب إذا فعله، ومكتوب على الكفار إهلاكهم العاجل في الدنيا، وعذابهم الآجل المعد لهم في الآخرة على ما فعلوه، ومكتوب ما يفعله غيرهم.
9 -
وصف الله المؤمنين بعد وصف الكفار للمقارنة والموازنة والترغيب والترهيب، فالمؤمنون الأتقياء في جنان الخلد التي تجري أنهار الماء والخمر والعسل واللبن من تحت قصورهم، وهم في كرامة ومنزلة عند ربهم المالك القادر على ما يشاء، في مجلس حقّ لا لغو فيه ولا تأثيم، وهو الجنة.
والعندية هنا كما تقدم: عندية القربة والزلفى والمكانة والرتبة والكرامة والمنزلة.
(1)
تفسير القرطبي: 148/ 17