الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7) التورية:
وهي: أن يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد، ويراد به البعيد منهما.
وهي نوعان:
مجردة، ومرشحة.
أما المجردة:
فهي التي لا تجامع شيئاً مما يلائم المورى به، كما في قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فالتورية هنا في قوله: (استوى) وله معنيان: قريب، وهو استقر، وليس مراداً، وبعيد، وهو: استولى وهو المراد، بدليل استحالة الاستقرار الحسي على الله تعالى، وهذه الاستحالة هي القرينة التي صرفت اللفظ عن المعنى القريب إلى المعنى البعيد.
والتورية هنا مجردة، لأنها لم تقترن بما يلائم المعنى القريب، وقيل: أن التورية هنا مرشحة، لأن قوله تعالى: على العرش، يلائم المعنى القريب.
وأما المرشحة:
فهي التي قرن بها ما يلائم المورى به، أي المعنى القريب.
والترشيح أما أن يكون قبل التورية، وأما أن يكون بعدها:
ومثال ما كان الترشيح فيها قبلها: قول الله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} .
فالتورية هنا في قوله تعالى: "بأيد" لأن اللفظ هنا، له معنيان: قريب، وهو: جمع يد وهي الجارحة، ولكنه ليس مراداً، لاستحالة ذلك على الله تعالى، وبعيد، وهو: القوة، وهو المراد، والاستحالة قرينة صارفة للفظ عن المعنى القريب إلى المعنى البعيد.
أما الترشيح هنا فقد جاء قبل التورية، وهو قوله تعالى:{بَنَيْنَاهَا} .
ومنه قول يحيى بن منصور الحنفي:
فلما نأت عنا العشيرة كلها
…
أنخنا فحالفنا السيوف على الدهر
فما أسلمتنا عند يوم كريهة
…
ولا نحن أغضنا الجفون على وتر
قوله أنخنا: كناية عن إقامتهم بدارهم واكتفائهم بأنفسهم، والكريهة هي الحرب، والوتر: هو النار.
والتورية هنا في قوله (الجفون) لأن هذا اللفظ له معنيان:
قريب وهو: أجفان العيون، وليس مراداً، وبعيد، وهو أجفان السيوف.
والترشيح هنا في قوله (أغضينا)، لأنه مما يلائم العين، وقد جاء قبل التورية، والقرينة هنا حالية، وهي أنه يتحدث عن الحرب التي تستخدم فيها السيوف، وهذه القرينة هي التي صرفت اللفظ عن معناه القريب إلى معناه البعيد.
أما ما كان الترشيح فيها بعدها، فمثاله: قول القاضي الإمام أبي الفضل عياض في صيغية باردة:
كأن كانون أهدى من ملابسه
…
لشهر تموز أنواعاً من الحلل.
أو الغزالة من طول المدى خرفت
…
فما تفرق بين الجدي والحمل.
فكانون من أشهر السنة الشمسية، ويقع في زمن البرد، وتموز: شهر منها يقع في زمن الدفء، والحلل، جمع حلة: وهي: التوب والغزالة: هي الشمس، وخرفت بمعنى: قل عقلها مجازاً، والجدي: برج ملاصق للدلو، والحمل: أول بروج الربيع ويعني: أن الشمس قد خرفت فنزلت في برج الجدي وقت الحلول ببرج الحمل، والجدي برج البرد، والحمل برج الدفء، والتورية هنا في قوله (الغزالة) لأن هذا اللفظ له معنيان: قريب، وهو:
الظبية، وليس مراداً، بقرينه الحديث عن بروج الشمس، وبعيد وهو: الشمس، وهو المراد.
والترشيح هنا: في قوله: (خرفت) وقد جاء بعد التورية - كما ترى -.
وقد تقترن التورية بما يلائم المعنى البعيد، أو بما يلائم المعنيين معاً، ولكنها تكون مجردة.
فمثال ما يلائم المعنى البعيد: قول عماد الدين:
أرى العقد في ثغره محكماً
…
يرينا الصحاح من الجوهر.
فالتورية هنا في (الصحاح) لأن معناها القريب هو: كتاب الجوهري في اللغة، وليس هذا المعنى مراداً، ومعناها البعيد: أسنان محبوبه، وقد قرنت هذه التورية بما يلائم المعنى البعيد، وهو قوله:(في ثغره).
ومثال ما يلاءم المعنيين جميعاً: قول الشاعر:
ومولع بفاخ؛
…
يمدها وشباك.
قالت لي العين: ماذا
…
يصيد؟ قلت: كراك!
فالتورية هنا قوله: (كراكي)، لأن معناها القريب: أنها جمع كركي - وهو طائر رمادي اللون يأوي إلى الماء، ومعناها البعيد: نوم العين، وهو المراد. وقوله:(يصيد) يلائم المعنى القريب، وقوله (العين) يلائم المعنى البعيد.
على أن التورية التي قرنت بما يلائم المعنى القريب، تسمى مهيأة. والتي قرنت بما يلائم المعنى البعيد، تسمى: مبينة والتورية ضربان: ضرب يستحكم حتى يصيد اعتقاداً، فلا يدرك عدم إرادة المعنى القريب ألا يتأمل وطور نظر.
كما في قول الشاعر:
حملناهم طراً على الدهم بعدما
…
خلعنا عليهم بالطعان ملابساً
والتورية هنا في قوله (الدهم) ومعناها القريب: الفرس الأسود، ومعناه البعيد: القيد من الحديد، وهو المراد بقرينة ما ذكره من خلع الدماء عليهم بالطعان حتى صارت لهم كالملابس، إذ لا يصح بعد - هذا أن يكون المراد حملهم على الأفراس.
والضرب الثاني: لا يبلغ ذلك المبلغ، ولكنه شيء يجري في الخاطر، وأنت تعرف حاله، فلا يحتاج عدم إرادة المعنى القريب فيه إلى تأمل وطول نظر.