الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتشبيه الذاهب على الاستقامة بالسهم السديد.
وكذلك كلي تشبيه يجمع بين شيئين مما يدخل تحت الحواس كتشبيه الذاهب على الاستقامة بالسهم السديد.
وكذلك كلي تشبيه يجمع بين شيئين مما يدخل تحت الحواس كتشبيه بعض الأصوات ببعض، وكتشبيه بعض الفواكه الحلوة بالعسل، وكتشبيه اللين الناعم بالخز، وتشهية رائحة بعض الرياحين ببعض.
وكذلك التشبيه من جهة الغزيرة والطباع والأخلاق داخلة في الغريزة، كتشبيهك الرجل بالأسد في الشجاعة.
فالشبه في كل هذا بين لا يحرى فيه التأول ولا يحتاج إليه.
وأما الضرب الثاني: فهو ما يكون التشبيه فيه محصلاً بضرب من التأول
، كقولك: هذه حجة كالشمس في الظهور، فقد شبهت الحجة بالشمس في ظهورها إلا إنك تعلم أن هذا التشبيه لا يتم لك إلا بتأول، وذلك بأن تقول: أن حقيقة ظهور الشمس وغيرها من الأجسام: ألا يكون دونها حجاب ونحوه مما يحول بين العين وبين رؤيتها، والشبهة نظيراً الحجاب فيما يدرك بالعقول، لأنها تمنع القلب رؤية ما هي شبه فيه، كما يمنع الحجاب العين من ترى ما هو من ورائه فإذا ارتفعت الشبهة وحصل العلم بمعنى الكلام الذي هو حجة "على صحة ما أردت من الحكم قيل "هذا ظاهر كالشمس".
وهذا الضرب هو: ما يسميه عبد القاهر باسم التمثيل:
على أن ما طريقه التأول يتفاوت تفاوتاً شديداً:
(أ) فمنه ما يقرب مأخذه ويسهل الوصول إليه، ويكاد بداخل الضرب الأول، الذي هو ليس من التأول في شيء وذلك كما في قولك - في المثال السابق:(حجة كالشمس في الظهور).
(ب) ومنه ما يحتاج فيه إلى قدر من التأمل، كقولهم: ألفاظه كالماء في السلاسة، وكالنسيم في الرقة - وكالعسل في الحلاوة.
(ج) ومنه ما يدق فيه لنظر ويغمض حتى تحتاج في استخراجه إلى فضل روية، ولطف فكرة، وذلك كما في قول فاطمة بنت الخرشب الانمارية - وقد سئلت عن بنيها أيهم أفضل - "هم كالحلقة المفرغة، لا يدري أين طرفاها "فهذا لا يفهمه إلا من له ذهن ونظر يرتفع به عن طبقة العامة، ولهذا فإنك لا تراه إلا في الآداب والحكم المأثورة عند الفضلاء وذوي العقول الكاملة (1).
فالفرق بين التشبيه والتمثيل: هو أن التشبيه عام "والتمثيل خاص"، فكل تمثيل تشبيه، وليس كل تشبيه تمثيلاً (2) ،
على أن الذي أوجب أن ينقسم التشبهي إلى: تشبيه، وتمثيل هو أن الاشتراك في الصفة يقع تارة في نفسها وحقيقة جنسها،
(1) أسرار البلاغة صـ 64 إلى صـ 68.
(2)
أسرار البلاغة صـ 68.
وتارة يقع في حكم لها ومقتضى، فالخد يشارك الورد في الحمرة نفسها، وتجدها في الموضعين بحقيقتها ولكن اللفظ يشارك العسل في الحلاوة، لا من حيث جنسه، بل من جهة الحكم وأمر يقتضيه، وهو ما يجده الذائق في نفسه من اللذة إذا صادفت بحاسة الذوق ما يميل إليه الطبع، فالسامع يجد عند وقوع اللفظ في سمعه حالة شبهة بالحالة التي يجدها الذائق للحلاوة من العسل - والشبه العقلي قد ينتزع من شيء واحد - كما رأيت من انتزاع الشبه للفظ من الحلاوة - وقد ينتزع من أمور عدة يجمع بعضها إلى بعض، ثم يستخرج من مجموعها الشبه كما في قوله تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} ، فالشبه منتزع من أحوال الحمار وهو أنه يحمل الأسفار التي هي أوعية العلوم ومستودع ثمر العقول، ثم لا يحس بما فيها، ولا يشعر بمضمونها، ولا يفرق بينها وبين سائر الأحمال التي ليست من العلم في شيء، فليس له مما يحمل حظ سوى أنه يقل عليه، فالشبه - كما ترى مقتضى أمور مجموعة ونتيجة لأشياء ألفت وفرق بعضها إلى بعض وقد يجئ الشبه معقوداً على أمرين منفصلين، كما في قولهم (هو يصفو ويكدر) لأنهم أرادوا أن يجمعوا له الصفتين، لا يريدون أن احدهما ممتزجة بالأخرى.