الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثاً: أن النظم الذي يتواصفه البلغاء وتتفاضل مراتب البلاغة من أجله صنعة يستعان عليها بالفكرة لا محالة
، ويستخرج بالروية، فينبغي أن تنظر في الفكر بماذا تلبس؟ بالمعاني أم بالألفاظ؟ (أي شيء وجدته تلبس به فكرك من بين المعاني والألفاظ فهو الذي تحدث فيه صنعتك وتقع فيه صياغتك ونظمك وتصويرك ومحال أن تفكر في شيء وأنت لا تصنع فيه شيئاً وإنما تصنع في غيره.
رابعاً: أن الألفاظ - كما يقولون - أوعية للمعاني، ولهذا فإنها تتبع المعاني في مواقعها
، فإذا وجب لمعنى أن يكون أولاً في النفس وجب للفظ الدال عليه أن يكون مثله أولاً في النطق، ولهذا فإن المعاني هي المقصودة بالنظم والترتيب قبل الألفاظ، والفكر في النظم الذي يتواصفه البلغاء إنما هو فكر في المعاني، ولهذا فإنك لا تحتاج بعد ترتيب المعاني في نفسك إلى فكر تستأنفه لتجيء بالألفاظ على حذوها وأما الثمرة التي يخرج بها عبد القاهر من هذا الفصل فإنها تتمثل لك فيما يلي:
أ - لا يتصور أن تعرف للفظ موضعاً من غير أن تعرف معناه، كما أنه لا يتصور أن تتوخي في الألفاظ من حيث هي ألفاظ ترتيباً ونظماً.
ب - عليك أن تتوخي الترتيب في المعاني وأن تعمل فكرك هناك، فإذا ما تم لك ذلك اتبعتها الألفاظ، وقفوت بها آثارها.