المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(أ) التقديم في الاستفهام بالهمزة - من قضايا البلاغة والنقد عند عبد القادر الجرجاني - جـ ١

[حسن إسماعيل عبد الرازق]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة]

- ‌الفصل الأول(قضية النظم)

- ‌المنابع التي أستقى منها عبد القاهر فكرة المنظم

- ‌نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني

- ‌أولاً: لا تفاضل بين كلمة وأخرى في الدلالة على المعنى قبل دخلوهما في نظم الكلام:

- ‌ثانياً: ترتيب الألفاظ في النطق على حسب ترتيب المعاني في النفس:

- ‌والدليل على ذلك:

- ‌أولاً: أن الألفاظ لا تستحق من حيث هي ألفاظ أن تنظم على وجه دون وجه

- ‌ثانياً: أنه لو كان القصد بالنظم إلى اللفظ نفسه، دون أن يكون الغرض هو ترتيب المعاني في النفس ثم النطق بالألفاظ على حذوها

- ‌ثالثاً: أن النظم الذي يتواصفه البلغاء وتتفاضل مراتب البلاغة من أجله صنعة يستعان عليها بالفكرة لا محالة

- ‌رابعاً: أن الألفاظ - كما يقولون - أوعية للمعاني، ولهذا فإنها تتبع المعاني في مواقعها

- ‌ثالثاً: لا نظم في الكلم حتى يعلق بعضها ببعض وبيني بعضها على بعض:

- ‌رابعاً: المزية في النظم للمعنى وليست للفظ:

- ‌خامساً: ثمرة النظم هي: تصوير المعنى:

- ‌فأما الكناية:

- ‌(ثووم الضحى)

- ‌وأما المجاز:

- ‌الفرق بين الاستعارة والتشبيه البليغ:

- ‌وأما التمثيل:

- ‌سادساً: نظرية النظم:

- ‌في الخبر

- ‌وفي الشرط والجزاء:

- ‌وفي الحال:

- ‌وينظر في الحروف

- ‌وينظر في الجمل التي تسرد:

- ‌سابعاً: تفاوت درجات النظم بتفاوت صنعته:

- ‌ولهذا فإن عبد القاهر الجرجاني قد وجد أن النظم يتفاوت بتفاوت الصنعة فنوفه إلى هذه الأنماط:

- ‌الأول: النمط العالي من النظم:

- ‌الثاني: النمط الأوسط:

- ‌الثالث: النمط الأدنى:

- ‌صنيع المتأخرين بنظرية النظم

- ‌أولاً: اللفظ والمعنى:

- ‌ثانياً: قيام علم المعاني على أساس نظرية النظم:

- ‌الفصل الثاني(قضية التقديم والتأخير)

- ‌التقديم والتأخير

- ‌(أ) التقديم في الاستفهام بالهمزة

- ‌(ب) التقديم في النفي

- ‌(جـ) التقديم في الخبر المثبت:

- ‌ المعنى ينقسم قسمين:

- ‌أحدهما: واضح جلى

- ‌وثانيهما: ما يقصد به تكيد الحكم

- ‌ من الكلام يجيء في كل مقام يحتاج إلى تأكيد الخبر وتقويته ومنها:

- ‌(أ) ما سبق فيه إنكار منكر، كأن يقول الرجل:

- ‌(ب) ما اعترض فيه شك

- ‌(جـ) في تكذيب مدع

- ‌(د) فيما القياس

- ‌(هـ) فيما يستغرب من الأمر

- ‌(و) في الوعد والضمان:

- ‌(ي) في المدح

- ‌(ز) في الفخر

- ‌(د) مما يرى تقديمه كاللازم "مثل" و "غير

- ‌(هـ) تقديم النكرة على الفعل وتقديم الفعل عليها:

- ‌الفصل الثالث((قضية التشبيه والتمثل))

- ‌سر التفريق بينهما:

- ‌ ولهذا بدا عبد القاهر الجرجاني حديثه عن التشبيه والتمثيل بالتفريق بينهما، وكان سبيله إلى هذا التفريق: أن جعل التشبيه ضربين:

- ‌أما الضرب الأول: فهو: تشبيه الشيء بالشيء

- ‌وأما الضرب الثاني: فهو ما يكون التشبيه فيه محصلاً بضرب من التأول

- ‌مظاهر التمثيل: للتمثيل مظهران

- ‌أحدهما: أن يجئ المعنى ابتداء في صورة التمثيل

- ‌وثانيهما: أن يجيء في أعقاب المعاني لإيضاحها وتقريرها في النفوس

- ‌أسباب تأثير التمثيل في النفس

- ‌أولهما: أن أنس النفوس موقوف على أن تخرجها من خفي إلى جلي كأن تنقلها عن العقل إلى الحس

- ‌وثانيها: أن لتصور الشبه بين الشيء في غير جنسه وشكله

- ‌وثالثها: أنه يأتيك من الشيء الواحد بأشياء عدة، ويشتق من الأصل الواحد أغصاناً

- ‌التمثيل على حد الاستعارة

- ‌ نظرية البيان - في فكر عبد القاهر الجرجاني - مرت بمراحل ثلاث

- ‌فالمرحلة الأولى: هي المرحلة التي بدأ فيها عبد القاهر يكبت في موضوعات "البيان

- ‌والمرحلة الثانية: هي المرحلة التي أستلهم فيها عبد القاهر - وهو يكتب دلائل الإعجاز

- ‌والمرحلة الثالثة: هي المرحلة التي وضحت لديه فيها ملامح النظرية كاملة

- ‌ باب التمثيل - على حد الاستعارة - على حد تعبيره في الدلائل - أو الاستعارة التمثيلية - على حد تعبير المتأخري

- ‌وأول هذه الأمثلة: أو الأمثال: قولهم (يضرب في حديد بارد)

- ‌وثانيها: قولهم: (هو ينفخ في غير فحم)

- ‌وثالثها: قولهم (أخذ القوس باربها)

- ‌ورابعاً: قولهم: (وما زال يفتل منه في الذروة والغارب)

- ‌وخامسها: (بلغني أنك تقدم رجلا ًوتؤخر أخرى، فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيهما شئت والسلام)

- ‌ التفريق بين التشبيه البليغ والاستعارة

- ‌احدهما: أن تنزله منزله الشيء تذكره بأمر قد ثبت له

- ‌والثاني أن تجعل ذلك كالآمر الذي يحتاج إلى أن تعمل في إثباته

- ‌((الفصل الرابع))(قضية البديع)

- ‌((البديع))

- ‌((منزلة البيع من البلاغة))

- ‌نظرة عبد القاهر الجرجاني إلى البديع:

- ‌البديع في نظر السكاكي:

- ‌البديع في نظر الخطيب القزويني:

- ‌تقسيم محسنات البديع:

- ‌فمن المحسنات المعنوية:

- ‌1) الطباق:

- ‌ ويلحق بالطباق أمران:

- ‌أولهما: أن يجمع بين معنيين لا يتنافيان في ذاتهما

- ‌وثانيهما: ما يسمى إبهام التضاد:

- ‌المقابلة:

- ‌بلاغة الطباق والمقابلة:

- ‌2) مراعاة النظير:

- ‌(ومن مراعاة النظير) لون يسمى: تشابه الأطراف:

- ‌بلاغة مراعاة النظير:

- ‌فأسلوب مراعاة النظير - وهو جمع أمر وما يناسبه لا بالتضاد

- ‌3) الارصاد أو التسهيم:

- ‌بلاغة الارصاد:

- ‌4) المشاكلة:

- ‌ومن المشاكلة

- ‌بلاغة المشاكلة:

- ‌5) المزاوجة:

- ‌بلاغة المزاوجة:

- ‌6) العكس والتبديل:

- ‌وله وجوه:

- ‌أولاً: أن يقع بين أحد طرفي جملة ما وأضيف إليه

- ‌وثانيها: أن يقع بين متعلقي فعلين في جملتين

- ‌وثالثها: أن يقع بين لفظين في طرفي جملتين

- ‌بلاغة العكس والتبديل:

- ‌7) التورية:

- ‌وهي نوعان:

- ‌أما المجردة:

- ‌وأما المرشحة:

- ‌بلاغة التورية:

- ‌8) المبالغة:

- ‌وهي: أن يدعي لوصف بلوغه - في الشدة أو الضعف - حداً مستحيلاً، أو مستبعداً.وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:

- ‌القسم الأول:التبليغ:

- ‌القسم الثاني:الإغراق:

- ‌والقسم الثالث:الغلو:

- ‌وإنما يقبل العلو في حالات ثلاث:

- ‌آراء العلماء في المبالغة

- ‌للعلماء - في المبالغة - آراء ثلاثة:

- ‌الرأي الأول:أن المبالغة مقبولة مطلقاً

- ‌الرأي الثاني:أن المبالغة مردودة مطلقاً:

- ‌والرأي الثالث:أن المبالغة إذا كانت تبليغاً

- ‌9) حسن التعليل:

- ‌ والوصف غير الثابت: أما أن يكون ممكناً، وإما أن يكون غير ممكن، فكانت الأقسام أربعة على النحو التالي:

- ‌القسم الأول:وهو حسن التعليل للوصف الثابت التي لا تظهر له علة في العادة

- ‌القسم الثاني:وهو حسن التعليل للوصف الثابت الذي تظهر له في - العادة - علة غير المذكورة

- ‌القسم الثالث:وهو: حسن التعليل للوصف غير الثابت الذي أريد إثباته، وكان ممكناً

- ‌القسم الرابع:وهو حسن التعليل للوصف غير الثابت الذي أريد إثباته، وكان غير ممكن

- ‌ما يلحق بحسن التعليل:

- ‌بلاغة حسن التعليل:

- ‌10) تأكيد المدح بما يشبه الذم:

- ‌الضرب الأول:وهو أفضلها: أن يستثني من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح بتقدير دخولها فيها

- ‌والضرب الثاني:أن يثبت لشيء صفة مدح، ويعقبها بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى

- ‌والضرب الثالث: وهو أن يؤتى بمستثنى فيه معنى المدح معمول لفصل فيه معنى الذم، فيتفرغ للعمل فيه

- ‌11) تأكيد الذم بما يشبه المدح:

- ‌ فإذا هو ذم مؤكد.وهو ضربان:

- ‌أحدهما: أن يستثنى من صفة مدح منفية عن الشيء صفة ذم بتقدير دخولها فيها

- ‌وثانيهما: أن يثبت للشيء صفة ذم، ويعقبها أداة استثناء تليها صفة ذم أخرى له

- ‌مواضع التأنق في الكلام

- ‌الموضع الأول:الابتداء، ويسمونه (حسن الابتداء)

- ‌قبح الابتداء:

- ‌براعة الاستهلال:

- ‌والموضع الثاني: التخلص:

- ‌الاقتضاب:

- ‌والموضع الثالث:الانتهاء، لأنه آخر ما يعيه السمع ويرتسم في النفس ويسمونه: (حسن الانتهاء)

- ‌ومن المحسنات اللفظية:

- ‌1) الجناس:

- ‌فأما الجناس التام:

- ‌أ- فالمماثل:

- ‌ب- والمستوفي:

- ‌جـ- والمركب:

- ‌وأما الجناس غير التام:

- ‌وله بحسب حالات الاختلاف - أربع حالات:

- ‌الحالة الأولى: الاختلاف في نوع الحروف:

- ‌والحالة الثانية:وهي حالة الاختلاف في عدد الحروف:

- ‌والحالة الثالثة:هي حالة الاختلاف في هيئة الحروف:

- ‌والحالة الرابعة:حالة الاختلاف في ترتيب الحروف:

- ‌بلاغة الجناس:

- ‌2) السجع:

- ‌وللسجع أنواع ثلاثة هي:

- ‌فأما المطرف:

- ‌وأما المرصع:

- ‌وأما المتوازي:

- ‌بلاغة السجع:

- ‌مراجع البحث ومصادره

الفصل: ‌(أ) التقديم في الاستفهام بالهمزة

لا جرم أن ذلك قد ذهب بهم عن معرفة البلاغة ومنعهم أن يعرفوا - مقاديرها وصد أوجههم عن الجهة التي هي فيها، والشق الذي - يحويها (1).

(أ) التقديم في الاستفهام بالهمزة

إذا بدأت بالفعل فقلت: أفعلت؟ كان الشك في الفعل نفسه، وكان غرضك من الاستفهام أن تعلم وجوده ولكنك إذا بدأت بالاسم، فقلت: أأنت فعلت؟ كان الشك في الفاعل من هو؟ وكان التردد فيه، ولهذا فأنه لا يجوز لك أن تقول: أأنت فرغت من الكتاب الذي كنت تكتبه؟ لأن الشك في الفعل لا في الفاعل، فكان من الواجب تقديمه كما أنه لا يجوز لك أن تقول: أكتبت هذا الكتاب؟ ، لأن الشك في الفاعل لا في الفعل، وذلك لفساد أن تقول في الشيء المشاهد أمام عينيك: أموجود أم لا؟

وكذلك الشأن في الهمزة إذا كانت للتقرير، فقول الله تعالى -حكاية عن قول نمروذ -:"أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ "لا شبهه في أنهم لم يقولوا ذلك له عليه السلام وهم يريدون أن يقر لهم بأن كسر الأصنام قد كان، ولكن أن يقر لهم بأنه منه كان، ولهذا أشاروا إلى الفعل في قولهم "أأنت فعلت هذا" وقال هو عليه السلام -في الجواب:"بل فعله كبريهم هذا" ولو كان التقرير بالفعل

(1) دلائل الإعجاز صـ 73 إلى صـ 75.

ص: 90

لكان الجواب: فعلت أو لم أفعل، فالهمزة في هذا، وما شاكله من الأمثلة تقرير بفعل قد كان وإنكار له لما كان؟ وتوبيخ لفاعله عليه" (1).

وقد تأتي الهمزة لإنكار أن يكون الفعل قد كان من أصله وماله: قول الله تعالى: أفأصناكم وبكم بالبنين وأتخذ من الملائكة إناثاً؟ أنكم لتقولون قولاً عظيماً "وقوله تعالى أصطفى البنات على البنين؟ ما لكم كيف تحكمون؟ فالآية الأولى تنكر اختصاصهم بالبنين، والآية الثانية تنكر اصطفاء البنات على البنين.

ولكن إذا قدم الاسم على الفعل صار الإنكار منصباً على الفعل، وذلك كقولك لرجل انتحل شعراً: أأنت قلت هذا الشعر؟ كذبت، لست ممن يحسن مثله، فأنت بهذا قد أنكرت أن يكون هو القائل ولكنك لم تنكر الشعر.

هذا هو الفرق بين تقديم الاسم، وتقديم الفعل إذا كان الفعل ماضياً أما إذا كان الفعل مضارعاً، وأردت به الحال، كان المعنى شبيهاً بما مضى في الماضي، فإذا قلت: أتفعل؟ كان المعنى على أنك أردت أن تقرره بفعل هو يفعله، وكنت كمن يوهم أنه لا يعلم أن الفعل كائن وإذا قلت: أأنت تفعل؟ كان المعنى على أنك تريد أن تقرره بأنه الفاعل، وكان أمر الفعل في وجوده ظاهراً، لا يحتاج إلى الإقرار بأنه كائن، أو على أنك تريد أن تنكر أن يكون هو الفاعل.

(1) دلائل الإعجاز صـ 78.

ص: 91

ومثال تقديم الاسم لأن القصد هو الإقرار بأنه الفاعل: قوله تعالى {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} يقصد بذلك أن يقرره بأن يتعب نفسه في إقناع الناس بدينه حتى كأنه يحاول إكراههم على الإيمان ومثال تقديمه لأن القصد هو إنكار أن يكون هو الفاعل: قوله تعالى {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} ففي الآية الكريمة إنكار أن يكون المشركون هم الذين يقسمون رحمه الله (1).

وإذا أردت بالمضارع المستقبل، وقدمت الفعل: كان المعنى على أنك تنكر الفعل نفسه وتزعم أنه لا يكون أو أنه لا ينبغي أن يكون:

فمثال الأول: قول امرئ القيس:

أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال؟

فهذا تكذيب منه لإنسان تهدده بالقتل وإنكار منه أن يقدر على ذلك ويستطيعه.

ومنه قول الله تعالى: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} .

ومثال الثاني: قولك للرجل يركب الخطر: أتخرج في هذا الوقت؟ أتذهب في غير الطريق؟ أتغرر بنفسك؟

ومنه قول الشاعر:

أأترك -إن قلت - دارهم خالدٍ زيارته؟ إني أذن - للئيم!

(1) دلائل الإعجاز صـ 96.

ص: 92

وجملة الأمر: أنك تنحو بالإنكار نحو الفعل (1) سواء أكان بمعنى أنه لا يكون، أو يكون، أو كان بمعنى أنه لا ينبغي أن يكون.

والأول: هو التكذيبي، والثاني هو التوبيخي - كما عرفا فيما بعد - وأن بدأت بالاسم، فقلت: أأنت تمنعني؟ أأنت تأخذ على يدي؟ كنت قد وجهت الإنكار إلى نفس الضمير، وأبيت أن يكون بموضع أن يجيء منه الفعل وأن يكون بتلك المثابة، وصرت كأنك قولت: أن غيرك كالذي يستطيع منعي والأخر على يدي، ولست بذاك، ولقد وضعت نفسك في غير موضعك.

وقد تجعله لا يجيء منه الفعل، لأن نفسه تاباه، ولا ترتضيه، كأن تقول أهو يسأل فلاناً؟ هو أرفع همة من ذلك، أهو يمنع الناس حقوقهم؟ هو أكرم من ذاك.

وقد تجعله لا يفعله لصغر قدره، وقصر همته، وأن نفسه نفس لا تسمو، كقولك: أهو يرتاح للجميل؟ هو أقصر همه من ذلك، وأقل رغبة في الخير مما تظن (2).

ويبين عبد القاهر: أن تفسير الاستفهام بالإنكار في مثل هذا، فيه بعض التجوز، أما الذي هو محض المعنى وحقيقته، فهو إنما يراد بالاستفهام تنبيه السامع، حتى يرجع إلى نفسه لتخجل ويرتدع ويعيا

(1) دلائل الإعجاز صـ 80.

(2)

دلائل الإعجاز صـ 81.

ص: 93

بالجواب، ولو كان للإنكار حقيقة، لكان ينبغي ألا يجيء فيما لا يقول عاقل أن يكون حتى ينكر عليه، كقولهم: أتصعد إلى السماء؟ -أتستطيع أن تنقل الجبال؟ أألى رد ما مضى سبيل؟

ولهذا: فإنه لا يقرر بالمحال، وبما لا يقول إنسان أنه يكون إلا على سبيل التمثيل، وعلى أن يقال له: أنك في دعواك ما ادعيت -بمنزله من يطمع في الممتنع".

ومن هذا الضرب: قول الله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ} فليس أسماع الصم مما يدعيه أحد، فيكون ذلك للإنكار وإنما المعنى فيه على التمثيل والتشبيه، وأن ينزل الذي يظن بهم أنهم يسمعون أو أنه يستطيع أسماعهم، منزلة من يرى أن يسمع الصم ويهدي العمي.

والسر في أن الله تعالى قال: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ} ولم يقل: {أتسمع الصم} هو: أن يقال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأنت خصوصاً قد أوتيت مقدرة أسماع الصم أو هداية العمي (1)؟

ومن لطيف ذلك: قول ابن أبي عيينة:

فدع الوعيد، فما وعيدك ضائري د أطنين أجنحة الذباب يضير؟

فقد جعله كأنه قد ظن أن طنين أجنحة الذباب بمثابة ما يضير، حتى ظن أن وعيده يضير.

(1) دلائل الإعجاز صـ 82.

ص: 94