الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كأن السحاب قد غيبت حبيباً تحت ثرى هذه الرياض، ولهذا فإنها ما تنفك تبكيه ولا ينقطع لها دمع عليه.
فقد علل الشاعر أمطار السحاب بما ذكر، ولكنه قد بنى هذا التعليل على الشك بلفظة (كأن) لأنها تفيد الشك ولهذا لم يكن من حسن التعليل، وإنما هو ملحق به.
ومنه قول ابن الرومي:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها
…
يكون بكاء الطفل ساعة يولد
وإلا فما يبكيه منها؟ وإنها
…
لاوسع ما كان فيه وأرغد
إذا أبصر الدنيا استهل، كأنه
…
لما سوف يلقى من أذاها مهدد!
فقد علل الشاعر بكاء الطفل ساعة إبصار الدنيا - في البيت الثالث - بأنه مهدد بما سوف يلقاه من أذاها ولكنه قد بنى العلة على الشك، فكان ملحقاً بحسن التعليل وليس به.
بلاغة حسن التعليل:
في قول أبي هلال الذي أسلفناه لك:
زعم البنفسج أنه كعذاره
…
حسناً فسلوا من قفاه لسانه!
والبنفسج به زائدة تحت ورقة لا يظهر لوجودها على هذا الوضع
علة تعلل بها، فادعى أبو هلال أنها كاللسان له وقد سل من قفاه عقاباً له على زعمه أنه يشبه عذار محبوبه.
وهذا تعليل خيالي؟ ؟ ؟ (ص 226) استدعاه مقام الغزل والبلوغ بالمحبوب إلى أعلى قمم الحسن والجمال حتى عوقب البنفسج على زعمه مشابهته هذا العقاب الشنيع بسل لسانه من قفاه.
والصنعة - كما يقول عبد القاهر الجرجاني - إنما يمد باعها، وينشر شعاعها، ويتسع ميدانها، وتتفرع أعنانها حيث تعتمد الاتساع والتخييل، ويدعي الحقيقة فيما أحله التقريب والتمثيل، وحيث يقصد التلطف والتأويل، ويذهب بالقول مذهب المبالغة والإغراق في المدح والذم والوصف والبث، والفخر والمباهاة، وسائر المقاصد والأغراض، وهناك يجد الشاعر سبيلاً إلى أن يبد ويزيد، ومدداً من المعاني متتابعاً، ويكون كالمغترف من غدير لا ينقطع والمستخرج من معدن لا - ينتهي (1)"والتماس علة لطيفة لشيء" غير معلل مما يؤكد هذا المعنى ويقويه (2).
(1) أسرار البلاغة ص 336، ص 337.
(2)
الصبع البديعي ص 487.