الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويليه ما طالت قرينته الثانية: أو الثالثة، كما في قوله تعالى:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} فهاتان قرينتان ثانيتهما أكثر عدداً من الأولى، وكقوله تعالى:{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} فقوله: {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} قرينة ثالثة، وهي أطول من سابقتها.
على أنه لا يحسن أن يؤتى بالقرينة الثانية أو الثالثة أقصر من سابقتها، لأن السجع قد استوفى أمده في الأولى فإذا جاءت الثانية أو الثالثة أقصر، بقى الإنسان عند سماعه؟ ؟ ؟ ؟ ؟ (ص 266) من يريد الانتهاء إلى غاية فيعثر دونها.
بلاغة السجع:
سبق أن أسلفنا لك عند الحديث عن بلاغة الجناس: أن عبد القاهر الجرجاني قد سوى بين الجناس والسجع في أنهما لا يكونان مقبولين إلا إذا كان المعنى هو الذي قد طلبهما، وساق المتكلم إليهما حتى يجدهما فلا ينبغي بهما بدلاً، ولا يجد عنهما حولاً.
وهنا نقول لك: أن عبد القاهر الجرجاني بعد أن أورد أمثلة للجناس المقبول، ساق أمثلة أخرى لما جاء من السجع هذا المجيء، وجرى هذا المجرى، وحل هذا المحل من الحسن والقبول:
ومما أورده في هذا المجال قول قيس بن سعد بن عبادة: "اللهم هب لي حمداً، هب لي مجداً، فلا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال". وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام".
ثم قال: "فأنت لا تجد في جميع ما ذكرت لفظاً اجتلب من أجل السجع، وترك ما هو أحل بالمعنى منه وأبريه، وأهدى إلى مذهبه، ولذلك أنكر الأعرابي - حين شكا إلى عاملي الماء بقوله:(حلات (ص 267) ركابي، وشققت ثيابي وضربت صحابي) فقال له العامل: وتسجع أيضاً؟ - إنكار السجع حتى قال: فكيف أقول؟ وذاك أنه لم يعلم أصلح لما أراد من هذه الألفاظ، ولم يره بالسجع مخلاً بمعنى أو محدثاً في الكلام أو تكرارها، أو خارجاً إلى تكلف، واستعمال لما ليس معتاد في فرضه. وقال الجاحظ: لأنه لو قال: حلأت أبلى أو جمال، أو نوقى، أو بعرائي، أو صرمتي، لكان لم يعبر عن خفي معناه، وإنما حلئت ركابه فكيت بدع الركاب إلى غير الركاب؟ وكذلك قوله: وشققت ثيابي، وضربت صحابي (1).
ويقول الدكتور احمد موسى - في الصبع البديعي -: "وإذ كانت للسجع فائدة ونكتة لا تقل عما ذكروه للجناس إذ أنه يخامر العقول
(1) أسرار البلاغة ص 8، ص 9.
مخامرة الخمر، ويخدر الأعصاب أخدار الغناء، ويؤثر في النفوس تأثير السحر، ويلعب بالأفهام لعب الريح بالهشيم، لما يحدثه من النغمة المؤثرة والموسيقى القوية التي تطرب لها الآذان، وتهش لها النفس، فتقبل على السماع من غير أن يداخلها ملل أو يخالطها فتور، فيتمكن المعنى في الأذهان ويقر في الأفكار، ويعز لدى العقول، وكان كل أولئك مما يتوخاه البلغاء، ويقصده ذووا البيان واللسن كان السجع مما يستدعيه المقام، وتوجيه البلاغة (1).
وبعد: "فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله" وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم".
حسن إسماعيل عبد الرازق
(1) الصبع البديعي في اللغة العربية ص 496، ص 497.