الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(هـ) تقديم النكرة على الفعل وتقديم الفعل عليها:
إذا قدمت الفعل على النكرة، فقلت: أجاءك رجل؟ كنت تريد أن تسأله هل كان محي من أخد من الرجال إليه، وإذا قدمت الاسم فقلت: أرجل جاء؟ كنت تسأله عن جنس من جاءه: أرجل أم أمرأه؟ وإنما يكون ذلك إذا كنت قد علمت أنه قد أتاه آت، ولكنك لم تعلم جنس ذلك الآتي تماماً كما إذا كانت تريد أن تعرف عين الآتي فقلت: أزيد جاءك أم عمرو؟ والمسألة الأولى لا يجوز فيها تقديم الاسم لأن تقديم الاسم يكون إذا كان السؤال عن الفاعل والسؤال عن الفاعل يكون أما عن عينه أو عن جنسه وإذا كان ذلك كذلك كان محالاً أن تقدم الاسم النكرة وأنت لا تريد السؤال عن الجنس لأنه لا يبقى بعد الجنس إلا العين، والنكرة لا تدل على عين شيء فيسأل بها عنه.
على أنك إذا وصفت النكرة فقلت: أرجل طويل جاءك أم قصير كان السؤال عن أن الجائي من جنس طوال الرجال أم قصارهم فأن وصفت النكرة بالجملة فقلت: أرجل كنت قد عرفته من قبل أعطاك هذا أم رجل لم تعرفه؟ كان السؤال عن المعطي أكان ممن عرفه من قبل أم كان إنساناً، لم يعرفه من قبل.
وحكم الابتداء بالنكرة في الاستفهام حكم الخبر: فإذا قلت (رجل جاءني) لم يصلح حتى تريد أن تعلمه أن الذي جاءك رجل لامرأة، ويكون الكلام حينئذ مع من عرف أن قد أتاك آت فإذا لم ترد ذلك كان عليك أن
تقدم الفعل فتقول جاءني رجل) وقولهم: (شر أهر ذانابٍ) إنما قدم فيه شر" لأن المراد أن يعلم أن الذي أهر ذا الناب إنما هو من جنس الشر لا من جنس الخير فجرى مجرى أن تقول: رجل جاءني، تريد أن رجل لأمرأة.
والدليل على ذلك قول العلماء: أنه إنما يصلح لأنه بمعنى (ما أهر ذاناب الاشر) وأنت لا تقول: ما جاءني إلى رجل إلا حيث يتوهم السامع أنه قد جاءتك امرأة.
وذلك لأن الخبر ينقص النفي إنما يكون حيث يراد قصر الفعل على شيء ونفيه عما عداه فإذا قلت: ما جاءني إلا زيد كان المعنى أنك قد قصرت المجيء على زيد ونفيته عن كل ما عداه وإنما يتصور قصر الفعل على معلوم ومتى لم يرد بالفكرة الجنس لم يقف منها السامع على معلوم حتى يزعم أني أقصر له الفعل عليه وأخبره أنه كان منه دون غيره.
وليس معنى قول عبد القاهر: أنه إنما حسن الابتداء بالنكرة في قولهم (شر أهر ذاناب) لأنه أريد به الجنس أن معنى (شر) و (الشر) سواء ولكن عرضه أن يبين أن الغرض من الكلام: أن الذي أهز ذا الناب إنما هو من جنس الشر لا من جنس الخير، كما أنه إذا قال في قولهم "أرجل جاء أم امرأة أن السؤال عن الجنس لم يرد بذلك أنه بمنزلة أن يقال الرجل أم المرأة أتاك ولكنه يعني أن المعنى على
أنك سألت عن الآتي: أهو من جنس الرجال أم من جنس النساء؟
فالنكرة - أذن - على أصلها من كونها لواحد من الجنس، غير أن القصد منك لم يقع على كونه واحداً وإثماً وقع على كونه من جنس الرجال.
وفي عكس هذا إذا قلت: (أرجل جاءك أم رجلان؟ ) كان القصد منك إلى كونه واحداً دون كونه رجلاً.
وههنا أصل ينبهك إليه عبد القاهر وهو إنه إذا ما كان في اللفظ دليل على أمرين، ثم قصده أحدهما دون الآخر صار هذا الآخر كأنه لم يدخل في دلالة اللفظ.
وإذا ما نظرت فيما قدمه عبد القاهر من قول سيبويه: "أنك قلت عبد الله فنبهته ثم بنيت عليه الفعل" وجدته يطابق هذا، وذلك لأن التنبيه لا يكون إلا على شيء معلوم، كما أن قصر الفعل لا يكون إلا على شيء معلوم كذلك فإذا ما بدأت بالنكرة فقلت: رجل وأنت لا تقصد بها الجنس وأن تعلم السامع أن الذي أردت بالحديث رجل لامرأة، كان محالاً أن تقول أني قدمته لأنبه المخاطب له لأنه يخرج بك إلى أن ت قول: أني أردت أن أنبه السامع لشيء لا يعلمه، وذلك مما لا يشك في أنه محال (1).
وخلاصة رأي عبد القاهر - في إفادة تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي التخصيص أو تقوى الحكم - أن هذا الرأي يدور غالباً حول أداة النفي فإن كانت سابقة على المسند إليه - أيا كانت حاله - أفاد الكلام التخصيص قطعاً وإن لم تسبقه أداة نفي بأن لم يوجد لها في الكلام شبح أصلاً
(1) دلائل الإعجاز صـ 94، صـ 95.
أو أخرت عنه، وكان معرفة ظاهراً، أو مضمراً، احتمل الكلام التخصيص تارة، والتقوى أخرى حسبما يقتضيه المقام فإن كان نكرة أفاد التخصيص قطعاً، سواء وقع بعد النفي أو لا.
أما السكاكي: فإنه - وإن كان يتفق مع عبد القاهر في أن تقديم - المسند إليه على الخبر الفعلي يفيد التخصيص - له فيه مذهب يخالف مذهب الإمام:
وخلاصته: أنه لا يعول على نفي تقدم أو تأخر، فلا بحث له في ذلك وإنما بحثه يدور حول المسند إليه نفسه فهو يقول: إن كان المسند إليه ضميراً: كان الكلام محتملاً للتخصيص والتقوى: نحو: أنا عنيت بسألتك وهو سعي في حاجتك.
وإن كان المسند إليه أسماً ظاهراً معرفة: امتنع التخصيص وتعين الكلام لإفادة التقوى: نحو: على قام بالأمر.
وإن كان المسند إليه نكرة: أفاد الكلام التخصيص قطعاً نحو "رجل وفد علينا"، فالأقسام عنده ثلاثة: تعين التخصيص، تعين التقوى احتمال الأمرين.
تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي
* رأي عبد القاهر: يدور حول أداة النفي
1 -
إن سبق أفاد الكلام التخصيص (ما رجل جاء في)
2 -
وإن لم تسبقه أداة نفي وكان معرفة ظاهراً أو مضمراً (محمد سعي في حاجتك) احتمل الأمرين حسبما يقتضيه المقام (أنا سعيت في حاجتك).
3 -
فإن كان نكرة أفاد التخصيص قطعاً (رجل سعى في حاجتك).
* رأي السكاكي: (لا يهمه القضى يحلا بحث له فيه)
1 -
رجل وفد علينا (للتخصيص (المسند إليه نكرة).
2 -
عليّ قام بالأمر (للتقوى)(المسند إليه اسم ظاهر معرفة).
3 -
أنا سعيتُ في حاجتك (احتمال)(المسند إليه ضمير)