الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا تجد سلطان المزية يعظم في شيء كعظمة فيه، ولا يجعل حسنها عرضياً، بل جعله حسناً ذاتياً، لأن الجناس والسجع وغيرهما مما يظن أن الحسن فيه راجع إلى اللفظ، كل ذلك حسنه راجع إلى المعنى، لأنه لا يحسن إلا غذا كان المعنى هو الذي قد طلبه.
فالبديع عند عبد القاهر الجرجاني إنما هو في أكرم مكان من البلاغة وأرفعه.
البديع في نظر السكاكي:
لم يعرض السكاكي لألوان البديع على أنها عدم "مستفل" عن علمي كالمعاني والبيان، بل عرض لها على أنها تشارك مسائل العلمين في تزيين الكلام بأبهى الحلل والوصول به إلى أعلى درجات التحسين.
على أنه لم يشر إلى أن هناك فرقاً بين هذه الألوان وبين غيرها من مباحث هذين العلمي، بل أنه ليذكر ضمن هذه الألوان: الالتفات، والإيجاز والأطناب، وينبه القارئ إلى أنها قد سلفت في علم المعاني.
على أن صنيع السكاكي بوضعه فنون البديع في هذا الموضع الذي - أشرنا إليه، له ما يبرره عنده؟
ذلك لأنه عندما عرف علم المعاني بأنه "تتبع خواص تراكيب الكلام
في الإفادة وما يتصل بها من الاستحسان وغيره: ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضى الحال ذكره "وعرف علم البيان بأنه "معرفة إيراد المعنى على كلام ما يقتضى الحال ذكره "وعرف علم البيان بأنه "معرفة إيراد المعنى الواحد في طرق مختلفة بالزيادة في وضوح الدلالة عليه، والنقصان ليحترز بالوقوف على ذلك عن الخطأ في مطابقة الكلام لتمام المراد منه "ثم حصر علم المعاني في مسائلة التي عرض لها وكذلك حصر علم البيان، هذا الحصر بعد هذا التحديد للعلمين جعل هذه المحسنات البديعية لا تندرج ضمن مسائل العلمين، ولما كان تعريفه البلاغة بقوله: "هي بلوغ المتكلم في تأدية المعاني حداً له اختصاص بتوفيه خواص التراكيب حقها، وإيراد أنواع التشبيه، والمجاز، والكناية على وجهها "شاملاً لهذه المحسنات جعلها متضافرة مع مسائل العلمين في البلوغ بالكلام إلى أعلى درجات التحسين والتزيين.
ولهذا فإنه بعد أن انتهى من علمي المعاني والبيان قال (1): "وإذا تقرر أن البلاغة بمرجعيها، وأن الفصاحة بنوعيها مما يكسو الكلام حلة التزيين، وبرقية أعلى درجات التحسين، فها هنا وجوه مخصوصة كثيراً ما يصار إليها لقصد تحسين الكلام، فلا علينا أن نشير إلى الأعرف منها، وهي قسمان: قسم يرجع إلى المعنى وقسيم يرجع إلى اللفظ".
(1) مفتاح العلوم للسكاكي ص 200.