الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن أساليبهم تختلف باختلاف مهاراتهم في صياغة هذه المعاني، وفي التعبير عن أغراض ومقاصدهم، ومن ثم فإن النظم يختلف ويتفاوت باختلاف الصنعة والمهارة، والحذق وتفاوتها من أديب إلى آخر.
ولهذا فإن عبد القاهر الجرجاني قد وجد أن النظم يتفاوت بتفاوت الصنعة فنوفه إلى هذه الأنماط:
الأول: النمط العالي من النظم:
وهو ذلك النظم الذي تتحد فيه أجزاء الكلام، وتتماسك ويدخل بعضها في بعض، ويشتد ارتباط ثان منها بأول ويحتاج في الجملة إلى أن تضعها في النفس وصنعاً واحداً، وأن يكون حالك فيها حال الباني، يضع بيمينه ههنا في الوقت الذي يضع بيساره هناك وفي حال ما يبصر مكان ثالث ورابع يضعهما بعد الأولين.
وليس لهذا اللون من الكلام حصر، ولا قانون يحيط به، ولكنه يأتي على وجوه شتى منها:
المزاوجة بين معنيين في الشرط والجزاء، كقول البحتري:
إذا ما نهى الناهي فلج بي الهوى
…
أصاخت إلى الواشي فلج بها الهجر
وقوله أيضاً:
إذا احتربت يوماً ففاضت دماؤها
…
تذكرت القربى ففاضت دموعها
ومنها العكس، كما في قول سليمان بن داود القضاعي:
فبينا المرء في علياء أهوى
…
ومنحط أتيح له اعتلاء
وبينا نعمة، إذا حلا يؤس
…
وبؤس إذا تعقبه ثراء
ومنها التمثيل، كما في قول كثير:
وأني وتهيامي بعزة بعدما
…
تخيلت مما بيننا وتخلت:
لكالمرتجي ظل الغمامة كلما
…
تبوأ منها للمقيل اضمحلت
وكقول البحتري:
لعمرك أنا والزمان كما حنت
…
على الأضعف الموهون عادية الأقوى
ومنها التقسيم - وخصوصاً إذا قسمت ثم جمعت - كقول حسان:
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم
…
أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك فيهم غير محدثة
…
إن الخلائق - فأعلم - شرها البدع
ومن التقسيم - وهو في غاية الحسن - قول القائل:
لو أن ما أنتم فيه يدوم لكم
…
ظننت ما أنا فيه دائماً أبداً
لكن رأيت الليالي غير تاركة
…
ما سر من حادث، أوساء مطرداً
فقد سكنت إلى أني وأنكم
…
سنستجد خلاف الحالتين غداً
فقوله: (سنستجد خلاف الحالتين غدا) جمع لما قسم لطيف، وقد ازداد لطفاً بحسن ما بناه عليه ولطف ما توصل به غليه من قوله: