الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعد تمام كلامك على أن يكون الثاني في صفة، أو حالاً، أو تمييزاً، أو تتوخي في كلام هو لا ثبات معنى، أن يصير نفياً، أو استفهاماً، أو تمنياً، فتدخل عليه الحروف الموضوعة لذلك، أو تريد في فعلين: أن تجعل احدهما شرطاً في الآخر، فتجيء بهما بعد الحرف الموضع لهذا المعنى، أو بعد اسم من الأسماء التي ضمنت معنى ذلك الحرف، وعلى هذا القياس.
رابعاً: المزية في النظم للمعنى وليست للفظ:
ينعي عبد القاهر الجرجاني على من يرجعون المزية إلى الألفاظ ويثمر عن ساعد الجد في الرد عليهم مبطلاً حججهم ومزيلاً شبهاتهم، فيقول: أنه إذا ما أدعى أحد بأن لا معنى للفصاحة سوى التلاؤم اللفظي وتعديل مزاج الحروف حتى لا تتلاقي حروف في النطق تثقل على اللسان زاعماً: أن الكلام في ذلك طبقات: فمنه المتناهي في الثقل، ومنه ما هو أخف منه، ومنه ما فيه بعض الكلفة على اللسان إلا أنه لا يبلغ مبلغ ما يعاب من الكلام، وأن الكلام إذا خلا منه، وصفاً مما يشوبه، كان الفصيح المشاهد به، وأن الصفاء - أيضاً - يكون على مراتب يعلو بعضها بعضاً وأن له غاية إذا انتهى إليها كان الإعجاز، فإن الذي يبطل هذه الشبهة - أن ذهب إليها ذاهب - أننا إذا قصرنا صفة الفصاحة على هذه الصفات، لزم أن تخرج الفصاحة من حيز البلاغة.
وإذا فعلنا ذلك لم نخل من أحد أمرين: أما أن نجعلها العمدة في المفاضلة بين العبارتين، وأما أن نجعلها أحد ما نفاضل به، ووجهاً
من الوجوه التي تقتضى تقديم كلام على كلام.
فإن أخذنا بالأول، لزمنا أن نقصر الفضيلة عليها حتى لا يكون إعجاز إلا بها، وفي ذلك من الفساد ما لا يخفي، لأنه يؤدي إلى إخراج البلاغة من حيز الإعجاز، لأن ذلك يخرج المعاني التي ذكروها في حدود البلاغة من: وضوح الدلالة وصواب الإشارة، وتصحيح الأقسام، وحسن الترتيب والنظام، والإبداع في طريقته التشبيه والتمثيل، والإجمال ثم التفصيل ووضع الفصل والوصل موضعها، وتوفيه الحذف والتأكيد والتقديم والتأخير شروطها، لأنه لا تعلق لشيء من هذه المعاني بتلاؤم الحروف.
وأن جعلنا الفصاحة أحد ما نفاضل به، ووجهاً من الوجوه التي تقتضى المفاضلة بين كلام وكلام، لم يكن لهذا الخلاف ضرر، لأنه ليس بأكثر من أن نعمد إلى الفصاحة فنخرجها من حيز البلاغة والبيان، وأن تكون نظيره لهما، أو نجعلها أسماً مشتركاً، يقع تارة لما يقع له تلك وتارة أخرى لما يرجع إلى اللفظ مما يثقل على اللسان، وليس واحد من الأمرين بقادح فيما نحن بصدده.
ويمضى عبد القاهر في الرد على من يرجعون المزية في النظم للألفاظ مبطلاً، حججهم، ومزيلاً شبهاتهم، حتى يتفرغ لتفضيل أمر هذه المزية، وبيان الجهات التي تعرض منها.