الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا قدم المفعول فإن الإنكار يتجه إلى أن يوقع به مثل ذلك الفعل ولهذا قدم (غير) في قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً} وقوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} وكان له من الحسن والمزية والفخامة ما تعلم أنه لا يكون لو أخر فقيل: أأتخذ غير الله ولياً؟ وأتدعون غير الله؟ وذلك لأنه قد حصل بالتقديم معنى قولك: أيكون غير الله بمثابة أن يتخذ ولياً وأن يرضى عاقل من نفسه أن يفعل ذلك، وأن يكون جهل أجهل، وعمى أعمى من ذلك؟ ولا يكون شيء من ذلك إذا قيل: أأتخذ غير الله ولياً؟ وذلك لأن الإنكار حينئذ يتناول الفعل أن يكون فقط، ولا يزيد على ذلك.
(ب) التقديم في النفي
إذا قلت (ما فعلت) كنت قد نفيت عنك فعلاً لم يثبت أنه مفعول، ولكنك إذا قلت (ما أنا فعلت) كنت قد نفيت عنك فعلا ًثبت أنه مفعول، ومنه قول أبي الطيب المتنبي:
وما أنا أسقمت جسمي به
…
ولا أنا أضرمت في القلب ناراً
فالمعنى -كما لا يخفي أن السقم ثابت موجود، ولكنه ليس هو الجالب له.
ومثله في الوضوح قوله - أيضاً -:
وما أنا وحدي قلت ذا الشعر كله ولكن لشعري فيك من نفسه شعر!
فالشعر مفعول على القطع، والنفي والنفي موجه إلى أن يكون هو وحده القائل (1) له.
والدليل على أن هناك فرقاً بين تقديم الاسم وتقديم الفعل: أمران:
أحدهما: أنه يصح لك أن تقول: (ما قلت هذا ولا قاله أحد من الناس) وذلك لأنك عندما قدمت الفعل - نفيته من غير أن يثبت أن مفعول، فيصبح أن تنفيه بعد ذلك عن جميع الناس، ولكن لا يصح أن تقول:(ما أنا قلت هذا، ولا قاله أحد من الناس)، لما فيه من تناقض، وذلك أن تقديم الاسم في النفي يدل على أن الفعل قد وقع من غيرك، فإذا ما نفيته بعد ذلك عن جميع الناس جاء التناقض.
وثانيهما: أنك إذا قلت: (ماضربت إلا زيدأ) كان كلاماً مستقيماً ولكنك إذا قلت: (ما أنا ضربت إلا زيداً) كان لغواً من القول وذلك لأن نقص النفي بإلا يقتضى أن تكون قد ذربت زيداً، وتقديمك ضميرك وإبلاؤه حرب النفي يقتضى نفي أن تكون ضربته، وهنا يأتي التناقض (2).
على أنك تجد هذا الفرق -أيضاً - في تقديم المفعول وتأخيره:
فإذا قلت: (ما ضربت زيداً)، فقدمت الفعل، كان المعنى: أنك
(1) دلائل الإعجاز صـ 84.
(2)
دلائل الإعجاز صـ 85.