الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً: لا تفاضل بين كلمة وأخرى في الدلالة على المعنى قبل دخلوهما في نظم الكلام:
فإذا ما رأيتهم قد وصفوا اللفظ بالفصاحة والبلاغة والبراعة وما شاكلها مما يعبر عن فضل بعض القائلين على بعض، وينسب فيه الفضل والمزية إلى اللفظ دون المعنى، فليس ذلك إلا وصفاً للكلام بحسن الدلالة وتمامها فيما كانت له دلالة، ثم تبرجها في صورة إيهي وأزين وآنق وأعجب، وأحق بأن تستولى على النفوس، وتأخذ بمجامع القلوب، ولا سبيل إلى ذلك إلا بأن يؤتي المعنى من جبهته التي هي أصح لتأديته، ويختار له اللفظ الذي هو أخص به، وأكشف عنه، وأحرى بأن يكسبه النيل، ويظهر فيه المزية.
ولهذا فإنه يجب أن ينظر إلى الكلمة قبل دخولها في التأليف وقبل أن تصير إلى الصورة التي بها يكون الكلام خبراً أو إنشاء وتؤدي في الجملة معنى من المعاني التي لا سبيل إلى إفادتها إلا بضم كلمة، وبناء لفظه على أخرى:
فإنه لا يتصور أن يكون للفظتين تفاضل في الدلالة - قبل دخولهما في التأليف - بأن تكون كلمة أدل على معناها الذي وضعت له من صاحبتها على ما وسمت به، كان يقال: أن رجلاً - مثلاً - أدل على معناه من فرس على ما سمى به.
وبأن يتصور في الاسمين الموضوعين لشيء واحد أن يكون احدهما أحسن نبأ عنه، وأبين كشفاً عن صورته من الآخر كما أنه لا يقع في وهم أن تتفاضل الكلمتان المفردتان من غير أن ينظر إلى مكان تقمان فيه من التأليف والنظم بأكثر من أن تكون إحداهما مألوفة مستعملة والأخرى غريبة، أو أن تكون هذه أخف نطقاً من تلك.
ولهذا فإنك لا تجد أحداً يقول: هذه اللفظة فصيحة، إلا وهو يعتبر مكانها من النظم وحسن ملاءمة معناها لمعاني جارتها وفضل موانستها لأخواتها.
وما رأيتهم قالوا في لفظة: أنها متمكنة ومقبولة وفي الأخرى: أنها قلقة نابية إلا لأنهم أرادوا أن يعبروا بالتمكن عن حسن الاتفاق لبين هذه وتلك من حيث معناها، وبالقلق والتنبؤ عن سوء التلاؤم، وأن الأولى لم تكن لائقة بالثانية في معناها، وأن السابقة لم تجيء مناسبة للتالية في يوادها.
فلا تفاضل بين كلمة أخرى في الدلالة على المعنى قبل دخولهما في التأليف، ولهذا فإن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة ولا من حيث هي كلم مفردة، وإنما تثبت لها الفضيلة والمزية إذا لاءمت معانيها معاني التي تليها.
والدليل على ذلك: أنك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع، ثم تراها بعيناها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر.