الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهذا استقبح في قول أبي تمام:
ذهبت بمذهبه السماحة والتوت
…
فيه الظنون أمذهب أم مذهب؟
واستحسن في قول أبي الفتاح البستي:
ناظراه فيما جنى ناظراه
…
أو دعاني أمت بما أودعاني
لأنه في الأول لم يزدك على أن أسمعك حروفاً مكررة، تروم لها فائدة فلا تجدها إلا مجهولة منكرة، وفي الثاني أعاد عليك للفظة كأنه يخدعك عن الفائدة وقد أعطاها، ويوهمك أنه لم يزدك وقد أحسن الزيادة ووفاها؟
وإنما قدم المعنوي على اللفظي: لأن المقصود الأصلي هو المعاني، والألفاظ توابع وقوالب لها، ولهذا قالوا:
لولا المعاني ما كانت الألفاظ، ولم يقولوا: لولا الألفاظ ما كانت المعاني (1).
فمن المحسنات المعنوية:
1) الطباق:
ويسمى المطابقة -أيضاً - وهي - في اللغة -: الموافقة والطباق في اصطلاح البلاغيين:
(1) دلائل الإعجاز ص 331، 332.
هو الجمع بين معنيين متقابلين في الجملة.
وهذا التقابل أن يكون بلفظين من نوع واحد، كأن يكونا: أسمين، أو فعلين، أو حرفين، وأما أن يكون بلفظين من نوعين مختلفين.
فمثال الطباق بلفظين من نوع واحد - وهما أسمان - قول الله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ} فقط طابق بين "أيقاظ" و "رقو" وهو أسمان.
ومثال الطابق بلفظين من نوع واحد وهما فعلان -: قول الله تعالى: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} ، فقط طابق بين (تؤتي) و (تنزع) كما أنه قد طابق بين (تعز) و (تذل).
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنكم لتكثرون عن الفزع، وتقلون عند الطمع"، فقد طابق بين (تكثرون) و (تقلون).
وقول أبي صخر الهذلي (1):
أما والذي أبكى وأضحك والذي
…
أمات وأحيا والذي أمره الأمر
(1) مواهب الفتاح جـ 4، ص 285.
فقد طابق بين (أبكى) و (أضحك) كما أنه قد طابق بين (أمات) و (أحيا).
وقول بشار بن برد:
إذا أيقظتك حروب العدا
…
فنبه لها عمرا ثم نم
فقد طابق بين (نبه) و (نم) كما أنه قد طابق بين: أيقظتك ونم - وإن كان الفعلان الأخران مختلفين، فأولهما ماض، وثانيهما: أمر.
ومثال الطباق بلفظين من نوع واحد -وهما حرفان: قول الله تعالى: "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" فقد طابق هنا بين لام الملك المؤذن بالانتفاع، وبين (علي) التي للاستعلاء المؤذن بالتحمل والضرر.
وقول الشاعر:
على أنني راضٍ بأن أحمل الهوى
…
وأخلص منه لأعلى، ولا ليا
فقد طابق هنا بين قوله (علي) وقوله (ليا)، والمعنى:
أنه تحمل الهوى وقاسي منه العذاب، وقد كان هذا موجباً لمدحه لا لذمه، ولكنه مع كل هذا فإنه راس بأن يخلص منه، وليس عليه ذم، ولا له مدح.
وأما الطباق بلفظين من نوعين مختلفين: فمثاله قوله تعالى: {مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} أي ضالاً فهديناه، فقد طابق هنا بين (ميتاً) و (أحييناه) وهما من نوعين مختلفين، إذ (ميتا) اسم أما (أحيينا) ففعل ماض.
وقول طفيل بن عوف الغنوي:
بساهم الوجه لم تقطع أبا جله
…
يصان وهو ليوم الروع مبذول
وساهم الوجه: أي متعيره من كثرة الجري، صفة لفرسه، والأباجل جميع أبجل، وهو عرق الفرس والبعير بمنزلة الأكحل من الإنسان: وهو عرق في اليد يفصد ويوم الروع: أي الفزع، وهو يقصد الحرب، أي أنه يخرج إلى الحرب بفرس قوي من شأنه أن يصان، ولكنه مبذول يوم الروع.
فقد طابق هنا بين (يصان) و (مبذول) وهما من نوعين مختلفتين، فالأول فعل مبني للمجهول، والثاني: اسم مفعول على أن الطباق قد يكون ظاهراً كالذي أسلفناه لك، وقد يكون خفياً، كما في قوله تعالى:"مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً"، فقد طابق هنا بين (اغرقوا) وبين (أدخلوا ناراً).
وقول أبي تمام:
مهما الوحش إلا أن هاتا أو أنس
…
قنا الخط إلا أن تلك ذوابل
(مها الوحش) جمع مهاة، وهي البقرة الوحشية (هاتا) يعني هذه (قنا الخط) القنا جمع قناة وهي الرمح، والخط موضع باليمامة تصنع فيه الرماح وتنسب إليه الرماح المستقيمة.
والشاعر يمدح نسوة فيقول: هنا كمها الوحش في سعة العين وسوادها وأهدابها إلا أنهن أو أنس ومها الوحش نوافر، وهن كقنا الخط في طول القدر استقامته إلا أن تلك القنا ذوابل وهذه النسوة نواضر.
فقد طابق هنا بين (هاتا) و (تلك)، لأن هاتا اسم إشارة للقريب، وتلك اسم إشارة للبعيد.
وللطباق تقسيم آخر: -بحسب الإثبات والنفي، أو الأمر والنهي - وهو بهذا الاعتبار قسمان:
طباق الإيجاب: وأمثلته: ما تقدم لك من أمثلة.
وطباق السلب: وهو: أن (أن تجمع بين فعلي مصدر واحد، احدهما مثبت، والآخر منفي، أو احدهما أمر والأخر نهي).
فمثال الجمع بين المثبت والمنفي: قول الله تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} .
فقد طابق هنا بني (لا يعلمون) وهو فعل منفي، وبين (يعلمون) وهو فعل مثبت.
وقول الشاعر:
وننكر - إن شئنا - على الناس قولهم
…
ولا ينكرون القول حين نقول
فقد طابق هنا بين (ننكر) وهو فعل مثبت، وبين (لا ينكرون) وهو فعل منفي.
وقول البحتري:
يقيض لي من حيث لا أعلم - النوى
…
وبشرى إلى الشوق من حيث أعلم
يقيض بمعنى: يهيأ، والنوى: الفراق، والمعنى، أنه يهيأ له الفرق من حيث لا يعلم أسبابه، لأن محبوبته تهجره بلا أسباب، ولكن الشوق يسري إليه من حيث يعلم أسبابه، لأن هذه الأسباب إنما هي حبة لمحبوبته.
وقد طابق هنا بين لا أعلم) وهو فعل منفي وبين (أعلم) وهو فعل مثبت.
ومثال الجمع بين الأمر والنهي: قول الله تعالى: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} ، فقد طابق هنا بين (لا تخشو) وهو نهي عن خشية الناس، وبين (اخشون) وهو أمر بخشية الله تعالى.
ومن الطباق نوع يسمى تدبيحاً: وهو: أن يذكر في معنى - كالمدح أو غيره - ألوان بقصد الكناية، أو التورية، أما تدبيح الكناية: فكقول أبي تمام - من قصيدة في رثاء محمد بن حميد:
تردي ثياب الموت حمراً؛ فما أتى
…
لها الليل إلا وهي من سندس خضر
ومعنى: تردي ثياب الموت: أي اتخذها رداء، والمراد بثياب الموت: ما كان يلبسه وهو يحارب، وغنما كان حراً لأنها أحمرت بدر القتلى، والسندس: رقيق الحرير، والأول كناية عن القتل، والثاني كناية عن دخول الجنة، وقد طابق بين (حمرا) و (خضر).
وقول ابن حيوس:
إن قرد علم حالهم عن يقين فالقهم يوم نائل أو نزال
تلق ببيض الوجوه، سود مثار النقع، خضر الأكناف، حمر النصال.
والنائل هو: العطاء، النزال بمعنى القتال، ومثار النقع منتشر الغبار، ويقصد عبار الحرب، والأكناف، جمع كنف وهو الجانب