الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأدهم يستمد الليل منه
…
وتطلع بين عينيه الثريا
سرى خلف الصباح يطير مشياً
…
ويضوي خلفه الأفلاك طياً
فلما خاف وشك الفوت منه
…
تشبث بالقوائم والمحيا
الأدهم: اللون الأسود، والثريا: سبعة كواكب في عنق الثورة وقد استعارها الشاعر لغرته، وسرى: مشى ليلاً، والضمير في سرى: للأدهم، والضمير في خاف، للصباح والقوائم: جمع قائمة، وهي رجل الفرس أو يده، والمحيا: الوجه.
يقول الشاعر: أن فرسه الأدهم الشديد السواد الذي لشده سواده كأن الليل يستمد ظلمته منه، والذي له غرة بين عينيه كأنها الثريا تطلع بين ظلام الليل، وقد مشى ليلاً بسرعة كانت لها الأفلاك تطوى من خلفه طياً، فلما خاف الصباح من أن يسبقه الأدهم ويفوته تعلق بقوائمه ومحياه متشبثاً بهما.
وبهذا أرجع الشاعر سبب البياض في غرة فرسه، وقوائمه إلى تشبث الصبح بهما، وهذه علة غير حقيقية.
القسم الثاني:
وهو حسن التعليل للوصف الثابت الذي تظهر له في - العادة - علة غير المذكورة
.
ومثاله: قول أبي الطيب المتنبي - في مدح بدر بن عمار -:
ما به قتل أعاديه، ولكن
…
يتقي إخلاف ما ترجو الذئاب!
بمعنى أن ممدوحه لا يقتل أعداءه خوفاً منهم لأنهم - عاجزون عنه -، إنما يقتلهم، لأنه يخاف أن يخلف ما ترجوه الذئاب منه، من أنهم يطعمون من قتلاه في الحرب.
فقتل الملوك أعداءهم - عادة - إنما يكون لإرادة هلاكهم لدفع مضارهم عن أنفسهم حتى يصفو لهم ملكهم من منازعتهم، وليس لما ادعاه من أن طبيعة الكرم قد غلبت عليه، ومحبته أن يصدق رجاء - الراجين.
وتلك مبالغة منه في وصفه بالجود، كما أنها تتضمن مبالغة أخرى في وصفه بالشجاعة - على وجه تخييلي - أي أنه تناهى في الشجاعة حتى ظهر ذلك للحيوانات العجم، حتى أنه إذا غدا للحرب رجت الذئاب أن تنال من لحوم أعدائه هذا إلى أن هذا المدح بالجود، والشجاعة قد تضمن مدحاً آخر، وهو: أنه ليس ممن يسرف في القتل طاعة للغيظ والحنق.
وقول أبي طالب المأموني - في بعض الوزراء ببخارى:
مغرم بالثناء فصب بكسب
…
المجد يهتز للسماح ارتياحاً
لا يذوق الإغفاء إلا رجاءً
…
أن يرى طيف مستميح رواحاً.
والصب: ذو الولع الشديد، والإغفاء: النوم الخفيف، والمستميح: طالب العطاء، والرواح: العشى.
يقول: أن ممدوحه لولوعه الشديد بإكتساب المحامد التي تورث الإنسان مجداً فإنه لا ينام إلا رغبة منه في رؤية طيف لطالب نواله في وقت العشى.
فقد علل الإغفاء برغبته في رؤية طيف طالب نواله، مع أن للإغفاء علة حقيقية غيرها.
على أن هذا المعنى مأخوذ من قول قيس بن الملوح، المعروف بالمجنون:
وإني لأستغشى - وما بي نعسة - لعل خيالاً منك يلقى خياليا.
وليس بمستبعد أن يكون هذا البيت من القسم، ولكنه لا يبلغ في الغرابة والبعد عن العادة - ذلك المبلغ وذلك لأنه قد يتصور أن ينام الحب - إذا بعد عهده بحبيبه - لكي يراه في منامه.
ومن لطيف هذا الضرب قول احمد بن محمد بن ثوابه:
أتتني تؤنبني بالبكاء
…
فأهلاً بها، وبتأنيها
تقول - وفي قولها حشمة -
…
أتبكي بعين تراني بها؟
فقلت: إذا استحسنت غيركم
…
أمرت الدموع بتأنيبها!
والحشمة: الغضب، أو الاستحياء، والأول هو الأظهر هنا.