الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمبيد لما قصرت الهمم على أنمائه؟ "
التمثيل على حد الاستعارة
لم تكن "نظرية البيان" في فكر عبد القاهر الجرجاني قد نضجت وهو يؤلف كتابه (أسرار البلاغة) لأنه صنفه وهو في مقتبل العمر ومستهل حياته البلاغية، ولكنها كانت قد اكتملت في ذهنه، ونضجت في فكره وهو يؤلف كتابه "دلائل الإعجاز" لأنه صنفه - على ما هو الأرجح - في أخريات حياته (1).
والدليل على هذا: أن موضوعات البيان في "الأسرار" - وهي التشبيه والتمثيل (أي التشبيه التمثيلي) والاستعارة، والمجاز المرسل - لم تشتمل على أساسين هامين لهذه النظرية التي تجدها في "الدلائل"، وهما: الكناية، والتمثيل - على حد الاستعارة - فقد كان البيان - أذن - في أسرار البلاغة نظرية لم تنضح ولم تكتمل، لأنها لم تتعد أن تكون رؤية قاصرة سلطت على موضوعات من البيان - هي التي أسلفنا هالك - ولكن هذه الروية لم تتسع لتشمل - الكناية، والتمثيل على حد الاستعارة - على حد تعبير عبد القاهر، أو الاستعارة التمثيلية - على حد تعبير المتأخرين (2).
(1) مراحل البحث البلاغي صـ 156، صـ 158.
(2)
نظرية البيان للمؤلف صـ 71.
والسر في هذا: أن نظرية البيان قد استقاها من تعريف قدامه في كتابه "نقد الشعر" - لكل من الارداف (أي الكتابية) والتمثيل فقد عرف قدامه الأرداف (أي الكناية) بأنه: (أن يردي الشاعر دلالة على معنى من المعاني فلا يأتي باللفظ الدال على ذلك المعنى - بل بلفظ يدل على معنى هو ردفه وتابع له).
وأردف قدامه هذا التعريف بتعريف التمثيل بأنه "أن يريد الشاعر إثبات معنى، فيضع كلاماً على معنى آخر، وذلك المعنى الآخر والكلام منبئان عما أراد أن يشير إليه).
ورأي عبد القاهر الجرجاني هذين التعريفين للارداف والتمثيل في كتاب نقد الشعر لقدامه، فأدارهما في ذهنه - ولكنه لم يترضى التسمية للكناية بأنها (الأرداف) - ووجد من التعريفين: أن طريق الدلالة فيهما واحد وهو: أن تعبر عن معنى وأنت تقصد بهذا المعنى معنى آخر، ومن هنا صاغ نظريته في البيان - والتي تجدها في الدلائل ولخصها في قوله (المعنى - ومعنى، تعني بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ، والذي تصل إليه بغير واسطة، وبمعنى المعنى: أن تعقل من اللفظ معنى، ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر).
وتلك النظرية هي المدخل الحقيقي إلى "علم البيان" ذلك المدخل الذي قال فيه (الكلام على ضربين: ضربت أنت تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده وذلك إذا قصدت أن تخبر عن زيد مثلاً بالخروج على الحقيقة، فقلت خرج زيد، وبالانطلاق عن عمرو فقتل: عمرو منطلق، وعلى هذا القياس، وضرب آخر أنت لا تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده