الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله بشيراً ونذيراً وسراجاً منبراً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
من يطع الله ورسوله فقد فاز ورشد، ومن يعص الله ورسوله فقد خاب وخسر، ولا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً
(1) الآية 1 من سورة النساء.
(2)
الآية 102 من سورة آل عمران.
(3)
الآيتان 70 - 71 من سورة الأحزاب.
أما بعد ..
فإن علم القواعد الفقهية من أعظم علوم الشريعة وأهمها للفقيه والمفتي والقاضي والحاكم، إذ به تتدرب النفوس في مآخذ الظنون ومدارك الأحكام. فمن استوعب القواعد وأحاط بها فقد استوعب وأحاط بالفقه كله، وبالتالي فقد حصل على الخير كلِّه، و"من يُرد الله به خيراً يُفقهه في الدين (1) ".
ومن جمع القواعد الفقهية فقد سلك لأحكام المسائل الفقهية - مهما اختلفت موضوعاتها وتباعدت مخارجها - أيسر سبيل وأقوم طريق. فهو علم عظيم النفع جليل الفائدة إذ هو علم الحلال والحرام.
وقد اعتنى به العلماء قديماً وحديثاً، فلتعدد مذاهب الفقهاء، واختلاف طرقهم في الاستنباط، ولكثرة المسائل الفقهية وتنوعها وتشعبها فقد رأى العلماء المجتهدون والفقهاء المتمرسون أن الحاجة ماسّة لوضع قواعد كلية وأصول عامة تجمع تلك الفروع والمسائل الكثيرة المتفرقة حتى لا يتوه طالب الحكم بين أشتات الجزئيات وأحكام المسائل المختلفات، فقام عدد من أكابر فقهاء المذاهب الذين أحاطوا علماً بمناهج كبار الأئمة السابقين وأصولهم فتعرفوا علل الأحكام التي يستنبطها أولئك، واستقصوا أنواع الأحكام المتشابهة التي تجمع بين المسائل المختلفة، فجمعوا الشبيه إلى شبيهه وضموا النظير إلى نظيره، وضبطوا ما تشابه وتماثل برباط وضابط واحد هو القاعدة فتكونت بذلك القواعد الفقهية التي تجمع كل واحدة منها المسائل
(1) إشارة للحديث الذي رواه أحمد في المسند جـ 3 صـ 94.
المتحدة في حكمها وتنظمها بسلك واحد.
فكان هذا العمل الجليل العظيم أساساً سليماً وقياساً صحيحاً مستقيماً لاستنباط واستخراج علل الأحكام الفقهية.
ولا أجد ما يمثل أهمية ومكانة القواعد الفقهية خير تمثيل، ويدل على عظمها وجلالة قدرها خير دلالة أفضل وأجزل من قول القرافي (1) رحمه الله تعالى، في مقدمة كتابه الفروق حيث قال: مبيناً مكانة القواعد الفقهية وأثرها في الفقه والفقهاء -: أما بعد ..
فإن فروع الشريعة المعظمة المحمدية زاد الله تعالى منارها شرفاً وعُلوّاً اشتملت على أصول وفروع، وأصولها قسمان:
أحدها: المسمى بـ "أصول الفقه" وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة، وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح، ونحو: الأمر للوجوب، والنهي للتحريم، والصيغة الخاصة للعموم ونحو ذلك، وما خرج عن هذا النمط إلا كون القياس حجة وخبر الواحد وصفات المجتهدين.
والقسم الثاني: قواعد كلية فقهية جليلة، كثيرة العدد عظيمة المدد مشتملة على أسرار الشرع وحِكَمِه. لكل قاعدة من الفروع في
(1) القرافي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي، من علماء المالكية، مصري المولد والنشأة والوفاة، له مصنفات عظيمة في الفقه والأصول، منها الفروق والأحكام والذخيرة، وشرح تنقيح الفصول، وغيرها كثير. مات سنة 684 هـ. الأعلام مختصراً وله ترجمة في الديباج المذهب صـ 62 - 67 وغيره.