الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه القواعد وإن اختلفت ألفاظها فالمراد منها متحد حيث تتعلق هذه القواعد بتلك التقديرات الشرعية التي جرى عليها عمل الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه رضى الله عنهم من بعده، والنظر فيها من حيث إن هذه التقديرات هل هي ثابتة في كل حال ولا تقبل التغيير مهما تغيرت الأحوال، أو هل هي تقديرات قدرها من قدرها تبعاً لظرف موجود أو عرف سائد؟. ولو كان الظرف غير الظرف أو العرف غير العرف لقدر غيرها فيجوز لمن يأتي بعدهم أن يغيرها تبعاً لتغير الظروف والأحوال واختلاف الأعراف؟.
بالأول أخذ محمَّد بن الحسن وجمهور الفقهاء رحمهم الله تعالى، وبالثاني أخذ أبو يوسف رحمه الله تعالى، ولكل من الرأيين مؤيدون من المجتهدين والعلماء.
ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها:
الأموال الربوية التي لا يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلاً وهي الأصناف الستة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يقاس عليها، فما كان منها مكيلاً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز بيعه إلا مكيلاً ولو تغير تعامل الناس به فأصبح موزوناً فلا يجوز بيع صنف منها بجنسه إلا مكيلاً وكذلك ما كان موزوناً. وخالف في ذلك أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة وصاحب رحمة الله عليهما وتبعه في ذلك ابن تيمية رحمة الله عليه (1) فأجازا بيع ما كان مكيلاً وتغير عرف الناس في التعامل به فصار أن يباع بالوزن، وما كان موزوناً وتغير عرف الناس في التعامل فصار معدوداً - مثلاً - أن يباع معدوداً ويجري فيه الربا كما كان
(1) ينظر المقنع لابن قدامة مع حاشية جـ 2 صـ 66، والفروع جـ 4 صـ 157.
يجري فيما كان مكيلاً أو موزوناً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعاً للحرج عن الناس وعملاً بالعرف السائد.
وأما ما لم ينص عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهل أمره هل هو مكيل أو موزون، فيعتبر فيه العرف السائد بين الناس في كل موضع بحسبه.
ومنها: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على نصارى ويهود اليمن على كل حالم ديناراً (1) وفرض عمر رضي الله عنه الخراج على أرض العراق والشام ومصر، فهل لمن جاء بعد ذلك ووجد أن الحال قد تغير إلى أحسن أو إلى أسوأ فهل له أن يزيد على الخراج المفروض سابقاً أو ينقص منه أو يجب عليه أن يبقيه على ما كان؟ خلاف في المسألة (2).
(1) الخبر ذكره الشافعي في الأم بالمعنى جـ 4 صـ 191، والخراج لأبي يوسف صـ 24، والخراج ليحيى بن آدم صـ 23، 68.
(2)
ينظر كتاب الأموال لأبي عبيد صـ 57 - 58.