الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: "مكانة هذه القاعدة". وما تدخله من أبواب الفقه
.
إذا كانت هذه القاعدة بنيت على حديث [إنما الأعمال بالنيات ..] فمكانتها بمكانة ما بنيت عليه وشرفها بشرفه وأهميتها بأهميته، وقد رأينا فيما سبق مكانة هذا الحديث وأهميته في الإسلام.
ولقد قال السيوطي (1): إعلم أنه قد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر حديث النية. وقد مر معنا قول البخاري (2): ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة منه. واتفق الأئمة الشافعيّ (3)، وأحمد (4)، وابن مهدي (5)، وابن المديني (6) وأبو داود (7)، والدارقطنيّ (8) وغيرهم على أنه ثلث العلم، وعند أحمد: إنه أحد القواعد
(1) سبقت ترجمته.
(2)
سبقت ترجمته.
(3)
سبقت ترجمته.
(4)
سبقت ترجمته.
(5)
سبقت ترجمته.
(6)
ابن المديني علي بن عبد الله بن جعفر السعدي مولاهم أبو الحسن البصري أحد الأئمة الأعلام وحفاظ الإسلام، روى عنه أحمد بن حنبل والبخاري وأبو داود وطبقتهم، ت 234 هـ. طبقات الحفاظ صـ 187 مختصر بتصرف.
(7)
أبو داود سليمان بن الأشعث بن شداد الأزدي السجستاني الإمام العلم صاحب كتاب السنن وغيره ولد سنة 202 هـ روى عن الكثيرين توفى وروى عنه كثيرون، وكان الإمام المقدم في زمانه، مات سنة 275 هـ. طبقات الحفاظ صـ 265 بتصرف مختصراً.
(8)
الدارقطني الإمام شيخ الإسلام حافظ الزمان، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي، صاحب السنن وغيرها، سمع الكثيرين وحدث عه الكثيرون سنة 385 هـ. طبقات الحفاظ صـ 393. بتصرف مختصراً.
الثلاث التي ترد إليها جميع الأحكام عنده. ومنهم من قال: أنه ربع العلم.
وحديث هذه مكانته يدخل في كل عمل للعبد دنيوى وأخروي، وبالتالي فالقاعدة المعتمدة عليه تدخل في كل عمل للعبد كذلك.
مجمل الأبواب التي تدخلها القاعدة كما ذكرها السيوطي من ذلك: ربع العبادات بكماله، كالوضوء والغسل فرضاً ونفلاً، ومسح الخف، ومسألة الجرموق إذا مسح الْأعلى فينزل البلل إلى الأسفل والتيمم، وإزالة النجاسة على رأى، وغسل الميت على رأى.
والأواني في مسألة الضبة بقصد الزينة وغيرها.
والصلاة بأنواعها فرض عين وكفاية وراتبة وسنة ونفل مطلق، والقصر والجمع والإمامة والاقتداء، وسجود التلاوة والشكر وخطبة الجمعة على أحد الوجهين، والأَذان على رأي.
وأداء الزكاة، واستعمال الحلي أو كنزه والتجارة والقنية. والخلطة على رأي وبيع المال الزكوي، وصدقة التطوع، والصوم فرضاً ونفلاً والاعتكاف، والحج والعمرة كذلك، والطواف فرضاً واجباً وسنة، والتحلل للمحصَر والتمتع على رأي - ومجاوزة الميقات، والسعي والوقوف - على رأي - والفداء والهدايا والضحايا، فرضاً ونفلاً.
والنذور والكفارات، والجهاد، والعتق، والتدبير، والكتابة، والوصية والنكاح والوقف، وسائر القرب - بمعنى توقف حصول الثواب على قصد التقرب بها إلى الله تعالى.
وكذلك نشر العلم تعليماً وإفتاءً وتصنيفاً. والحكم بين الناس، وإقامة الحدود، وكل ما يتعاطاه الحكام والولاة. وتحمُّل الشهادات وأداؤها.
بل يسري ذلك إلى سائر المباحات إذا قصد بها التقوى على العبادة أو التوصل إليها كالأكل والنوم واكتساب المال وغير ذلك.
وكذلك النكاح والوطء إذا قصد به إقامة السنة أو الاعفاف أو تحصيل الولد الصالح وتكثير الأمة، ويندرج في ذلك ما لا يحصى من المسائل.
ومما تدخل فيه العقود ونحوها: كنايات البيع والهبة والوقف والقرض والضمان والإبراء والحوالة والإقالة والوكالة وتفويض القضاء، والإقرار والإجارة والوصية والعتق والتدبير والكتابة والطلاق والخلع والرجعة والإيلاء والظهار والأيمان والقذف والأمان.
ويدخل فيها أيضاً في غير الكنايات مسائل شتى: كقصد لفظ الصريح لمعناه، ونية المعقود عليه في المبيع والثمن، وعوض الخلع والمنكوحة، ويدخل في بيع المال الربوي ونحوه، وفي النكاح إذا نوى ما لو صرح به لبطل.
وفي القصاص في مسائل كثيرة منها: تميّز العمد وشبهه من الخطأ، ومنها قتل الوكيل في القصاص - إن قصد قتله عن الموكل -، - أو قتله بشهوة نفسه -.
وفي الردة وفي السرقة فيما إذا أخذَ آلات الملاهي بقصد كسرها وإشهارها أو بقصد سرقتها. وفيما إذا أخذ الدائن مال المدين بقصد الاستيفاء أو السرقة، فلا يقطع في الأول ويقطع في الثاني.
وفي أداء الدين: فلو كان عليه دينان لرجل، بأحدهما رهن، فأدى أحدهما ونوى به دين الرهن انصرف إليه، والقول قوله في نيته. وفي اللقطة بقصد الحفظ أو التملك. وفيما لو أسلم على أكثر من أربع -
نسوة - فقال: فسخت نكاح هذه - فإن نوى به الطلاق كان تعييناً لاختيار النكاح، وإن نوى الفراق أو أطلق حمل على اختياره الفراق. وفيما لو وطيء أمة بشبهة وهو يظنها زوجته الحرة فإن الولد ينعقد حراً. وفيما لو تعاطى فعل شيء مباح له وهو يعتقد عدم حله، كمن وطيء أمرأة يعتقد أنها أجنبية وأنه زان بها فإذا هي حليلته، أو قتل من يعتقده معصوماً فبان أنه يستحق دمه، أو أتلف مالاً لغيره فبان ملكه.
قال الشيح عز الدين (1) يجري عليه حكم الفاسق لجرأته على الله لأن العدالة إنما شُرطت لتحصل الثقة بصدقه وأداء الأمانة، وقد انخرمت الثقة بذلك لجرأته بارتكاب ما يعتقده كبيرة.
قال: وأما مفاسد الآخرة فلا يعذب تعذيب زانٍ ولا قاتل، ولا آكلٍ مالاً حراماً، لأن عذاب الآخرة مرتب على ترتب المفاسد في الغالب، كما أن ثوابها مرتب على ترتب المصالح في الغالب.
قال: والظاهر أنه لا يعذب تعذيب من ارتكب صغيرة لأجل جرأته، وانتهاك الحرمة، بل عذاباً وسطاً بين الصغيرة والكبيرة (2).
وعكس هذا من وطيء أجنبية وهو يظنها حليلته، لا يترتب عليه شيء من العقوبات والمؤاخذات المترتبة على الزاني، اعتباراً بنيته ومقصده.
(1) الإمام المحدث الفقيه سلطان العلماء عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي، عز الدين أبو محمد بلغ رتبة الإجتهاد. ولد بدمشق سنة 577. وتوفي بالقاهرة سنة 660 هـ له كتب التفسير الكبير، والإلمام في أدلة الأحكام، والقواعد الكبرى والصغرى إلى غير ذلك من الكتب المهمة. الأعلام باختصار. وله ترجمة في فوات الوفيات وطبقات السبكي وغيرهما.
(2)
قواعد الأحكام صـ 22 بتصرف في العبارة.
وتدخل النية أيضاً في: عصير العنب بقصد الخليّة والخمرية، وفي الهجر فوق ثلاثة أيام، فإنه حرام إن قصد الهجر وإلا فلا.
ونظيره أيضاً ترك الطيب والزينة فوق ثلاثة أيام لموت غير الزوج، فإنه إن كان بقصد الإحداد حرم، وإلا فلا، وتدخل النية أيضاً في: قطع السفر، وقطع القراءة في الصلاة، وقراءة القرآن جنباً بقصده أو بقصد الذِّكر. وفي الصلاة بقصد الإفهام، وفي غير ذلك.
وفي الجعالة إذا التزم جعلا لمعين فشاركه غيره في العمل: إن قصد إعانته فله كل الجعل، وإن قصد العمل للمالك فله قسطه، ولا شيء للمشارك وفي الذبائح.
قال السيوطي: فهذه سبعون باباً أو أكثر دخلت فيها النية (1).
بل نقول: أن النية تدخل كل عمل يقوم به المكلف ويقصد من ورائه ترتب حكم عليه سواء كان هذا العمل دينياً أم كان عملاً دنيوياً، عدا ما يكون لفظاً صريحاً ورتب الشرع الحكم على نفس اللفظ ولم يلتفت للنية، وذلك كصريح الطلاق والعتق والبيع، وغير ذلك من الأمور الدنيوية.
(1) الأشباه والنظائر للسيوطي من صـ 9: 11، ومن أراد تفصيل النية بمسائل هذه الأبواب فعليه بكتب الفقه العام والكتب المصنفة في بيان النية وأثرها في الأحكام مثل: المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات لابن الحاج أبي عبد الله محمد ابن محمد بن محمد العبدري المالكي، والأمنية في إدراك النية للقرافي أحمد بن إدريس المالكي. ومقاصد المكلفين للدكتور عمر سليمان الأشقر. وكتاب النية وأثرها في الأحكام للدكتور الشيخ صالح السدلان. ومقاصد الشريعة الإسلامية للشيخ محمد الطاهر بن عاشور. وموضوع مقاصد الشريعة للإمام الشاطبي في كتابه الموافقات ج 2.
بل إننا نقول حتى ما كان من هذا النوع فلا يخلو من توجه القلب نحو المراد من الطلاق والعتق والبيع، فمن طلق زوجته واعياً مدركاً لما يفعله كان قاصداً إيقاع مدلول لفظ الطلاق - وكذلك المعتق والبائع - وهذه هي النية، وإنما يتصور خلو هذه الألفاظ عن القصد في حالة: الخطأ أو النسيان، أو سبق اللسان وما أشبه ذلك وهي مسألة خلافية في وقوع الطلاق أو العتق، أو البيع في هذه الحالة.