الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معنى هذا الحديث:
هذا الحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، فقوله [إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريءٍ ما نوى] جملتان مصدرتان بإنما وهي أداء تفيد الحصر والقصر مثل "ما وإلا" ومعنى الحصر:
"ثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه" ففي الجملة الأولى قصر المسند إليه وهو الأعمال على المسند وهو النيات. والجملة الثانية قصر المسند فيها على المسند إليه فكل منوي مجازىً به".
ولفظ الأعمال جمع محلي بالألف واللام مفيد للاستغراق، وكذلك لفظ "النيات" ومعناه كل عمل بنية، فلا عمل إلا بنية، والحديث متروك الظاهر، لأن ذوات الأعمال غير منتفية، فليس المراد نفي ذات العمل، لأنه قد يوجد بغير نية، فلا بد من تقدير محذوف. وقد اختلف في تقدير هذا المحذوف على أقوال عدة: هل هو المضاف أو هو متعلق الجار والمجرور؟ وإذا كان المحذوف المضاف فهل هو نفي الحكم كالصحة، والكمال أو نفي الثواب، وهل يكون المحذوف خاصاً أو عاماً؟ قال ابن حجر (1) قال شيخنا شيخ الإسلام (2): الأحسن تقدير ما يقتضي أن الأعمال تتبع النية، وعلى هذا يقدر المحذوف كونا مطلقاً من اسم فاعل أو فعل، فيكون التقدير، إنما الأعمال حاصلة أو تحصل بالنية (3).
(1) سبقت ترجمته.
(2)
سراج الدين البلقيني عمر بن رسلان بن نصير العسقلاني، الأصل، المصري الشافعي، أبو حفص، مجتهد حافظ للحديث، من العلماء. توفيَّ سنة 805 بالقاهرة. الأعلام ج 5 صـ 46 مختصراً.
(3)
يراجع في شرح هذا الحديث: عمدة القاري ج 1 صـ 17 وما بعدها، فتح الباري =
ولكني أرى أن يكون التقدير: إنما جزاء الأعمال مترتب على نيات فاعليها وقصودهم من وراء فعلها. والجزاء لفظ عام يشمل الثواب والعقاب والصحة والفساد والبطلان، وبدليل التفصيل بعد الإجمال في آخر الحديث، حيث بين عليه الصلاة والسلام أثر النية في عمل العبد وهو الهجرة، وما ترتب عليها من ثواب، أو ضياع تبْعاً لنيَّة المهاجر.
والمراد بالأعمال: أعمال الجوارح كلها، ومنها القلب واللسان، ففعل القلب الاعتقاد، وفعل اللسان القول، وإن كان هناك من لم يعتبر عمل اللسان وعمل القلب، ولكن الصحيح اعتبارهما.
واستثنوا من الأعمال ما كان من قبيل الترك كترك الزنا والنظر المحرم وعموم المنهيات، وإزالة النجاسة، ورد الغُصوب والعواري وإيصال الهدية وغير ذلك، قالوا: لأنه لا تتوقف صحتها على النية المصححة ولكن يتوقف الثواب فيها على نية التقرب (1).
وقوله عليه الصلاة والسلام [وإنما لكل امريءٍ ما نوى]، أي أن من نوى شيئاً لم يحصل له غيره، وفيه دليل على أن الله سبحانه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغى به وجهه، بدليل الحديث الذي رواه النسائي (2) عن أبي أُمامة (3) حيث قال: [جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه
= ج 1 صـ 9 وما بعدها، فيض الباري صـ 4 وما بعدها، جامع العلوم والحكم صـ 5 وما بعدها، وشرح الأربعين للنووي صـ 6 وما بعدها.
(1)
شرح الأربعين للنووي صـ 10 بتصرف.
(2)
النسائي الإمام صاحب السنن: أحمد بن شعيب بن علي، أبو عبد الرحمن الحافظ مات سنة 303 هـ تقريب التهذيب ج 1 صـ 16.
(3)
أبو أمامة الصحابي الجليل صدي بن عجلان الباهلي، سكن الشام ومات بها سنة 86 هـ تقريب التهذيب صـ 366.
وسلم فقال: رأيت رجلاً يلتمس الأجر والذكر ماله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شيء له (1) "].
وهذه الجملة فيها فوائد كثيرة، منها: تحقيق اشتراط النية والإخلاص في الأعمال. ومنها: اشتراط تعيين المنوي. ومنها: أن فيها دلالة على أن الأعمال الخارجة عن العبادة - المباحات - قد تفيد الثواب إذا نوى بها فاعلها القربة كالأكل والشرب إذا نوى بهما القوة على الطاعة، والنوم إذا قصد به ترويح البدن للعبادة، والوطء إذا أراد به التعفف عن الفاحشة.
ومنها أن الأفعال التي ظاهرها القربة - وإن كان موضوع فعلها للعبادة - إذا فعلها المكلف عادة لم يترتب الثواب على مجرد الفعل - وإن كان الفعل صحيحاً - حتى يقصد به العبادة (2).
2 -
حديث عائشة بنت الصديق (3) رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم. قالت: قلتُ: يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال: يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم].
قال ابن حجر: "وفي هذا الحديث أن الأعمال تعتبر بنية العامل"(4).
(1) أخرجه النسائي في سننه كتاب الجهاد ج 1 صـ 25.
(2)
طرح التثريب ج 1 صـ 9، 10 بتصرف.
(3)
عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها.
(4)
فتح الباري ج 4 صـ 338 فما بعدها، النووي على مسلم ج 1 صـ 2208 - 2210.
وقال النووي (1): أي يقع الهلاك في الدنيا على جميعهم، ويصدرون يوم القيامة مصادر شتى، أي يبعثون مختلفين على قدر نياتهم فيجازون بحسبها (2) ".
3 -
حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا هجرة بعد الفتح ولكن جهادٌ ونية، وإذا استنفرتم فانفروا](3). وفيه أن نية الجهاد - عند عدم القدرة عليه - تقوم مقامه.
4 -
حديث معن بن يزيد بن الأخنس (4) رضي الله عنهم، قال: كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئتُ فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت. فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:[لك ما نويت يا يزيد ولك ما أحذت يا معن](5). قال ابن حجر رحمه الله: وفيه أن للمتصدق أجر ما نواه سواء صادف المستحق أم لا (6).
(1) النووي: محي الدين يحيى بن شرف ابن حزام النووي، محرر مدهب الشافعية، صاحب التصانيف المشهورة ولد سنة 631 هـ وتوفي سنة 676 هـ وكان على حانب كبير من العمل والعبادة والزهد والعلم. طبقات الشافعية لابن السبكي ج 5 صـ 165 فما بعدها. مختصراً.
(2)
النووي على مسلم ج 18 صـ 7.
(3)
الحديث في فتح الباري ج 6 صـ 3 صحيح مسلم بشرح النووي ج 3 هـ 1488.
(4)
معن بن يزيد بن الأخنس هو وأبوه وجده صحابيون شهدوا بدراً حميعاً، ولا يعلم أحد شهد بدراً هو وأبوه وجده إلا معن هذا. الإصابة ج 1 صـ 25.
(5)
فتح الباري ج 3 صـ 291.
(6)
فتح الباري ج 3 صـ 292.
5 -
حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه (1). وفيه قوله صلى الله عليه وسلم [وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيْ امرأتك](2).
قال ابن حجر: "وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت بها" مقيدة بإبتغاء وجه الله، وعلق حصول الأجر بذلك، وهو المعتبر، ويستفاد منه أن أجر الواجب يزداد بالنية، لأن الإنفاق على الزوجة واجب وفي فعله الأجر، فإذا نوى به ابتغاء وجه الله ازداد أجره بذلك" وقال: "ولأن المباح إذا قصد به وجه الله صار طاعة، وقد نبه على ذلك بأقل الحظوظ الدنيوية العادية وهو وضع اللقمة في فم الزوجة، إذ لا يكون ذلك غالباً إلا عند الملاعبة والممازحة، ومع ذلك فيؤجر فاعله إذا قصد به قصداً صحيحاً، فكيف بما هو فوق ذلك؟! (3).
وقال ابن دقيق العيد (4): "وفيه دليل على أن الثواب في الإنفاق مشروط بصحة النية في ابتغاء وجه الله (5).
(1) سعد مالك بن وهيب صحابي جليل من بني زهرة أخوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة المبشرين بالجنة، أخباره كثيرة ومشهورة. الإصابة ج 2 صـ 33.
(2)
فتح الباري ج 3 صـ 164.، صحيح مسلم بشرح النووي ج 3 صـ 1250.
(3)
فتح الباري ج 5 صـ 367 - 368.
(4)
ابن دقيق العيد هو الشيخ الإمام تقي الدين محمد بن علي بن وهب القشيري ولد سنة 625 هـ من محققي الشافعية، وفقهائهم، أشهر علماء زمانه، ألف كتباً كثيرة في الفقه والحديث، توفي سنة 702. طبقات الأسنوي ج 2 صـ 227، طبقات الشافعية ج 6 صـ 2.
(5)
إحكام الأحكام ج 4 صـ 10
6 -
حديث أبي هريرة (1) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم](2).
قال النووي رحمه الله "ومقصود الحديث أن الاعتبار في هذا كله بالقلب"(3).
7 -
حديث أبي بكرة (4) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه قال: [إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار]، قلتُ: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: [إنه كان حريصاً على قتل صاحبه (5)].
قال النووي: فيه دلالة للمذهب الصحيح الذي عليه الجمهور أن من نوى المعصية وأصر على النية يكون آثماً وإن لم يفعلها ولا تكلم بها (6).
(1) عبد الرحمن بن صخر الدوسي أكثر الصحابة حملاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواية عنه، إذ روى 5374 حديثاً توفي سنة 57 في خلافة معاوية رضي الله عنه. الإصابة ج 4 صـ 202.
(2)
صحيح مسلم بشرح النووي ج 4 صـ 1987.
(3)
المرجع السابق ج 16 صـ 202.
(4)
أبو بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة صحابي جليل تدلى على بكرة أثناء حصار الطائف، ونزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. الإصابة ج 3 صـ 391، وج 4 صـ 23.
(5)
فتح الباري ج 1 صـ 84 - 85، صحيح مسلم ج 4 صـ 2213 - 2214.
(6)
شرح مسلم للنووي ج 18 صـ 12.
8 -
حديث ابن مسعود (1) رضي الله عنه قال ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهداء فقال: [إن أكثر شهداء أمتي أصحاب الفرش، ورب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته (2)].
والمراد بأصحاب الفرش الذين حبسهم العذر عن الجهاد وهم ينوونه.
9 -
حديث جابر (3) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يحشر الناس على نياتهم]. ومثله حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يبعث الناس على نياتهم (4)].
10 -
حديث أبي الدرداء (5) رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح كتب له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه من ربه عز وجل (6)].
(1) عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي أبو عبد الرحمن، حليف بني زهرة، أسلم قديماً وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً والمشاهد كلها، لازم النبي صلى الله عليه وسلم ملازمة شديدة ومات سنة 32 أو 33 للهجرة. الإصابة ج 2 صـ 368.
(2)
الفتح الرباني ج 14 صـ 33.
(3)
جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري، أحد الصحابة المكثرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي سنة 87 هـ. الإصابة ج 1 ص 213.
(4)
سنن ابن ماجة ج 2 صـ 1414.
(5)
عويمر بن عامر الخزرجي كان آخر أهل داره إسلاماً، شهد ما بعد أحد، وقال فيه صلى الله عليه وسلم:[عويمر حكيم أمتي] توفي سنة 32 هـ الاستيعاب 4 ص 59.
(6)
سنن النسائي ج 3 صـ 258.
قال السيوطي (1): قال القرطبي (2): هذا الفضل من الله تعالى وهذه الفضيلة إنما تحصل لمن غلبه نوم أو عذر منعه القيام مع أن نيته القيام وظاهره أن له أجراً مكملاً مضاعفاً وذلك لحسن نيته وصدق تلهفه وتأسفه، وهو قول بعض شيوخنا، وقال بعضهم ويحتمل أن يكون غير مضاعف إذ التي يصليها أكمل وأفضل، والظاهر الأول (3).
قال السندي (4): قلتُ بل هو المتعين وإلا فأصل الأجر يكتب بالنية والله أعلم (5). فكل هذه الأحاديث وغيرها كثير تدل دلالة واضحة بينة على أن المعتبر في جزاء الأعمال إنما هو النيات والمقاصد، فهي الأساس الذي يدور عليه الثواب والعقاب والصحة واالفساد.
(1) السيوطي الإمام عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمَّد الخضيرى ولد سنة 849 هـ وتوفي سنة 911 هـ هو من أشهر العلماء الجامعين للعلوم المكثرين من التأليف يقال أن مؤلفاته بلغت ستمائة مؤلف، ترجم لنفسه في كتابه حسن المحاضرة ج 1 صـ 142 - 144 مختصراً.
(2)
القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر صاحب التفسير المشهور، إمام متقن متبحر في العلم له تصانيف مشهورة تدل على إمامته وكثرة إطلاعه ووفور فضله توفيَّ سنة 670 هـ. طبقات المفسرين ج 2 صـ 69.
(3)
شرح السيوطي لسنن النسائي ج 3 صـ 260.
(4)
السندي الإمام الشيخ أبو الحسن نور الدين محمد بن عبد الهادي السندي الأصل والمولد نزيل المدينة، وكان شيخاً جليلاً محققاً ماهراً في الحديث والتفسير والفقه والأصول، وغيرها. توفي بالمدينة المنورة 1138 هـ. الأعلام ج 6 صـ 253.
(5)
حاشية السندي على سنن النسائي ج 3 صـ 260.