الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
ربِّ يَسِّر وأعن
القاعدة الأولى:
أولا: لفظ ورود القاعدة:
" إنما الأعمال بالنيَّات (1) " أو "الأمور بمقاصدها (2) "
ثانيا: معنى القاعدة ومدلولها [النيَّة - القصد]
أ - معنى قاعدة [الأمور بمقاصدها] في اللغة:
هذه القاعدة جملة اسمية مكونة من كلمتين هما: الأمور، ومقاصدها.
فالأمور: جمع أمر، ومعناه الحادثة أو الشَّأن، والحال، لا يكسّر على غير ذلك (3) - ومنه قوله تعالى:{أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)} (4)، ويقال أمر فلان مستقيم، وأموره مستقيمة (5).
قال الراغب (6): - الأمر: الشأن، وجمعه أمور - وهو لفظ عام
(1) الأعمال بالنيات: المبسوط للسرخسي (ج 6 صـ 59، وج 19 صـ 139.
(2)
الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 54، 94، والأشباه والنظائر للسيوطي صـ 8، والأشباه النظائر لابن نجيم صـ 27 وقواعد الخادمي صـ 4، وقواعد الحصني ق 1 ج 1 صـ 168، المغني لابن قدامة ج 1، القواعد الفقهية في بابي العبادات والمعاملات لعبد الله العيسى ج 1 صـ 158، فما بعدها.
(3)
أي لا يجمع جمع تكسير على غير وزن: فعول.
(4)
الآية 53 من سورة الشورى.
(5)
لسان العرب ج 1 صـ 96 مادة أمر.
(6)
الراغب الأصفهاني الحسين بن محمد بن المفضَّل، أبو القاسم صاحب "مفردات القرآن" وغيره ت 502 هـ البلغة صـ 91، وبغية الوعاة ج 2 صـ 297.
وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} (1)، وقوله:{يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ} (2)، وقوله تعالى:{وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} (3) أي أقواله وأفعاله كلها (4)، ويأتي الأمر بمعنى طلب الفعل - وهو فعل الأمر وجمعه أوامر. وهو ليس مقصوداً هنا بل المقصود هنا هو عمل الجوارح، ومنها اللسان وفعله القول، ومنها القلب وفعله الاعتقاد.
والمقاصد: جمِع مقصد، مأخوذ من القصد وهو استقامة الطريق، ومنه قوله تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} (5) أي على الله يتبين الطريق المستقيم والدعاء إليه بالحجج والبراهين الواضحة.
والقصد: بمعنى الوسط بين الطرفين، وفي الحديث:
[القصدَ القصدَ تبلغوا](6) أي عليكم بالقصد من الأمور في القول والفعل. والقصد: الاعتماد والأَمّ والتوجّه. يقال: قَصَدَه يَقصِده قصداً. قال ابن جني (7): أصل (ق ص د) ومواقعها في كلام العرب: الاعتزام والتوجّه والأمَّ
(1) الآية 123 من سورة هود.
(2)
آية 154 من سورة آل عمران.
(3)
الآية 97 من سورة هود.
(4)
مفردات الراغب صـ 24، 25.
(5)
الآية 9 من سورة النحل.
(6)
الحديث أخرجه البخاريُّ في كتاب الرقاق باب 18، وأحمد في المسند جـ 2 صـ 537.
(7)
ابن جني: عثمان بن جني أبو الفتح من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف، من مصنفاته: الخصائص في النحو وسرّ الصناعة وغيرهما ت 392 هـ بغية الوعاة ج 2 صـ 132 باختصار
والنهود، والنهوض نحو الشيء (1).
قال ابن فارس (2): القاف والصاد والدال أصول ثلاثة يدل أحدها على إتيان شيء وأمِّه، فالأصل: قصدته قصداً ومَقْصَداً.
ومن الباب أقصَدَهُ السهم، أصابه فقتل مكانه، وكأنه قيل ذلك لأنه لم يحِد عنه. قال الأعشى (3):
فأقصَدها سهمي وقد كان قبلها لأمثالها من نسوة الحي قانصاً (4)(5)
قال الفيروزأبادي (6): القصد: استقامة الطريق. والاعتماد والأَمّ، قصده وله وإليه يقصده (7). وقال ابن سيده (8): القصد إستقامة الطريق. وقوله
(1) لسان العرب مادة (ق ص د)
(2)
ابن فارس: أحمد بن زكريا أبو الحسين اللغويّ القزويني، صنف المجمل في اللغة، ومعجم المقاييس وغيرهما. ت 395 هـ - بغية الوعاة ج 1 صـ 352، البلغة صـ 61.
(3)
الأعشى: ميمون بن قيس بن جندل، ويكنى أبا بصير. شاعر من فحول شعراء الجاهلية أدرك الإسلام ولم يسلم.
(4)
ديوان الأعشى صـ 189 ورواية الديوان "قارصاً"
(5)
معجم مقاييس اللغة ج 5 صـ 95.
(6)
الفيروزأبادي: محمد بن يعقوب بن محمد الفيروزأبادي صاحب القاموس مجد الدين أبو طاهر ت 816 هـ بغية الوعاة ج 1 صـ 273.
(7)
القاموس المحيط ج 1 صـ 327 مادة قصد.
(8)
ابن سيده: علي بن أحمد بن سيده اللغوي النحوي الأندلسي، أبو الحسن الضرير لم يكن في زمانه أعلم منه بالنحو واللغة والأشعار وأيام العرب، =
تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ} (1) أي على الله تبيين الطريق المستقيم إليه بالحجج والبراهين .. إلى أن قال: القصد الاعتماد والأَمّ قصده يقصده قصداً، وقصد له، وأقصدني إليه الأمر (2).
والقصد يأتي بمعنى النيّة - كما أنَّ النية معناها القصد - وهو المعنى المراد هنا.
فما معنى "النيَّة" وما حقيقتها؟.
قال في معجم مقاييس اللغة: نوى، النون والواو والحرف المعتل أصل صحيح يدل على معنيين: أحدهما مقصِدٌ لشيء، والآخر عَجم شيء.
فالأوّل: النوى، قال أهل اللغة: النوى التحول من دار إلى دار .. هذا هو الأصل ثم حمل عليه الباب كله، فقالوا نوى الأمر ينويه إذا قصد له، ومما يصحح هذه التآويل قولهم: نواه الله كأنه قصده بالحفظ والحياطة.
قال: يا عمرو أحسن نواك الله بالرَّشَد: واقرأ سلاماً على الذلفاء بالثَمَد (3) أي قصدك بالرشد. والنيَّة الوجه الذي تنويه (4).
وقال في اللسان (5): نوى الشيء نيَّةً ونِيَة، بالتخفيف وهو نادر، وانتواه قصده واعتقده، والنيَّة: الوجه الذي يذهب فيه.
= صاحب المخصص، والمحكم والمحيط الأعظم، وغيرهما ت: 458 هـ بغية الوعاة ج 2 صـ 143 مختصراً.
(1)
الآية 9 من سورة النحل.
(2)
المحكم لابن سيده ج 6 صـ 115.
(3)
البيت ذكره في اللسان، وفي الصحاح مادة نوى، في معجم البلدان "ثمد الروم" مع اختلاف في الرواية.
(4)
معجم مقاييس اللغة ج 5 صـ 366.
(5)
اللسان المحيط مادة نوى ج 3 صـ 751 بتصرف، والقاموس ج 4 صـ 397.
وعن الجوهريّ (1): والنيَّة والنوى، الوجه الذي ينويه المسافر من قرب أو بعد، وقال: نويتُ نِيّةً، ونواة، أي عزمت، وانتويت مثله (2).
وأصل الفعل: نوى ينوي، كضرب يضرب. وأصل كلمة "نِيَّة نِوْيَة على وزن فِعْلة؛ اجتمعت الواو والياء في كلمة واحدة وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياءً وأُدغمت في الياء. ومعناها: العزم على الشيء والقصد له والتوجه إليه.
وعلى هذا يكون معنى القاعدة في اللغة: "إن أحكام الأفعال والأقوال كلها تتبع المراد منها".
ب - معنى قاعدة [الأمور بمقاصدها] في الاصطلاح الفقهي: أن معنى القاعدة اللغوي أساس لمعناها الاصطلاحي، وعلى ذلك نقول:(إن الحكم الذي يترتب على أمر يكون على مقتضى المقصود من ذلك الأمر (3)) ومعنى هذا:
"إن أعمال المكلف وتصرفاته من قولية أو فعلية تترتب عليها نتائجها وأحكامها الشرعية تبعاً لمقصود الشخص وغايته وهدفه من وراء تلك الأعمال والتصرفات".
(1) الجوهريّ صاحب صحاح اللغة، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهريّ الفارابي أخذ عن أبي علي الفارسي، وأبي سعيد السيرافي وغيرهما. إمام في اللغة والنحو والصرف ت 398 هـ. البلغة صـ 66، 68 مختصراً.
(2)
صحاح العربية مادة "نوى" واللسان مادة "نوى".
(3)
شرح المجلة للشيخ خالد الأتاسي ج 1 صـ 13