الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة
[إطلاق العام وإرادة الخاص]
يجوز إطلاق العام وإرادة الخاص سواء كان في الأمر أو في الخبر.
خلافا لعضهم.
والدليل عليه: وقوعه في القرن العظيم فإنه دليل الجواز وزيادة، وهو كقوله تعالى:{اقتلوا المشركين} مع أن أهل الذمة من المشركين غير مراد منه، وكقوله تعالى:{يا أيها الناس اعبدوا ربك} مع أن الصبي والمجنون غير مرادين منه، وكقوله تعالى:{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} مع أن كل سارق وسارقة غير مرادين منه بالإجماع،
وكذا القول في قوله تعالى: {والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} ، وكقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} مع أن المسافر والمريض والعبد مخصوصون منه، وأمثاله كثيرة غير عديدة.
وأما في الخبر فهو كقول الله تعالى: {خالق كل شيء} مع أنه تعالى غير خالق لنفسه، لأن خلق الشيء نفسه ممتنع. وكقوله تعالى:{والله على كل شيء قدير} مع أنه تعالى غير قادر على ذاته ضرورة أنه تعالى واجب الوجود لذاته ولا قدرة على الواجب.
فإن قلت: استدلالكم بالآيتين، إنما يتم لو كان الله تعالى شيئا وهو ممنوع، فلم قلتم إنه كذلك؟
سلمنا: ذلك لكن لا نسلم أن اللفظ يتناوله، وهذا لأن اللفظ لم يوضع لما يخالف المعقول عندنا، وإذا لم يتناوله اللفظ لم يلزم التخصيص إذ التخصيص فرع التناول.
سلمنا: صحة دلالتكم لكنه معارض: بما أن تجويزه في الأمر/ (231/ب) يوهم البداء وفي الخبر يوهم الكذب، وإيهام القبيح، وهو على الشارع محال.
قلت: الدليل على أنه تعالى شيء المنقول، والمعقول.
أما المنقول: فقوله تعالى: {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم} . وقوله: {كل شيء هالك إلا وجهه} والاستدلال بهما ظاهر.
وأما المعقول: فلأن الشيء عبارة عما يصح أن يعلم ويخبر عنه أو ما له وجود في الخارج على اختلاف المذهبين، والله تعالى كذلك فيكون شيئا، ولأن النزاع بين العقلاء إنما هو في تسميته تعالى بالشيء، لا في تحقق مسمى الشيء فيه تعالى.
وأما الدليل على أن اللفظ يتناوله: فهو أنه لو فرض صدوره، أو ما يجري مجراه نحو أن يقال: كل شيء يفنى أو يموت ممن لم يثبت صدقه،
فإنه يتوجه لتكذيب نحوه بالنسبة إلى لله تعالى، ولا شك أن فناءه وموته تعالى محال، فلو لم يكن اللفظ متناولا له لما توجه التكذيب نحو قائله.
وأما قوله: في سند المنع: اللفظ لم يوضع لما يخالف المعقول، فباطل وإلا لما أمكن التعبير عن حصول المحال.
وأما الجواب عن المعرضتين: فهو أن الإيهام زائل بالدليل الدال على امتناع البداء والكذب على الله تعالى.
واعلم: أن الآيات التي تشتمل على إطلاق لفظ العام وإرادة الخاص في الخبر كثيرة، نحو قوله تعالى:{تدمر كل شيء} ، وقوله تعالى:{يجبي إليه ثمرات كل شيء} ، وقوله تعالى:{وأوتيت من كل شيء} ، وقوله تعالى:{ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم} ، وقوله:{وأوتينا من كل شيء} وغيرها من الآيات الخبرية، والأمرية المخصوصة التي يطول ذكرها.
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "ما من عام إلا وقد خص عنه البعض".
ويقال أيضا في العرف العام: خالطت كل الناس، وباشرت كل الأمور، مع أنه لم يخالط كلهم بل أكثرهم، ولا باشر كلها بل أكثرها، والتعبير