المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة السادسة[العام المخصوص حقيقة في الباقي أو مجاز] - نهاية الوصول في دراية الأصول - جـ ٤

[الصفي الهندي]

فهرس الكتاب

- ‌المسألة الرابعة[في إثبات صيغ العموم]

- ‌المسألة الخامسةفي أقل الجمع

- ‌المسألة السادسة[في حكم نفي الاستواء بين الشيئين]

- ‌المسألة السابعة[الخلاف في عموم المقتضي]

- ‌المسألة الثامنة[في عموم الفعل المتعدي إلى مفعولاته]

- ‌المسألة التاسعة[الخطاب المختص بالنبي لا تدخل تحته الأمة]

- ‌المسألة العاشرة[الخطاب المتناول للرسول والأمة]

- ‌المسألة الحادية عشرة[أقسام اللفظ بالنسبة إلى الدلالة على المذكر والمؤنث]

- ‌المسألة الثانية عشرة[الخطاب المضاف إلى الناس وبني آدم يدخل تحته العبد والكافر]

- ‌المسألة الثالثة عشرة[الخطاب الخاص بواحد خطاب للباقين]

- ‌المسألة الرابعة عشرة[الخطاب الوارد شفاها يختص بالموجودين]

- ‌المسألة الخامسة عشرة[دخول المخاطب تحت خطابه]

- ‌المسألة السادسة عشرة[حكاية النهي عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يفيد العموم]

- ‌المسألة السابعة عشرة[في عموم الفعل]

- ‌المسألة الثامنة عشرة

- ‌المسألة التاسعة عشرة[الحكم في واقعة مخصوصية يفيد العموم]

- ‌المسألة العشرون[في عموم مفهوم الموافقة]

- ‌القسم الثانيفي الخصوص

- ‌ المقدمة

- ‌المسألة الأولىفي حد التخصيص

- ‌المسألة الثانيةفي الفرق بين التخصيص والنسخ

- ‌المسألة الثالثة[إطلاق العام وإرادة الخاص]

- ‌المسألة الرابعةفيما يجوز تخصيصه وما لا يجوز

- ‌المسألة الخامسة[في العناية التي يجوز أن ينتهي إليها التخصيص]

- ‌المسألة السادسة[العام المخصوص حقيقة في الباقي أو مجاز]

- ‌المسألة السابعة[يجوز التمسك بالعام المخصوص مطلقا]

- ‌المسألة الثامنة[التمسك بالعام قبل استقصاء طلب المخصص]

- ‌الفصل الأولفي الاستثناء

- ‌المسألة الأولى[اتصال الاستثناء بالمستثنى منه]

- ‌المسألة الثانية[في الاستثناء من غير الجنس]

- ‌المسألة الثالثة[في الاستثناء المستغرق]

- ‌المسألة الرابعةالاستثناء من النفي إثبات، ومن الإثبات نفي، عند أصحابنا خلافا للحنفية فيهما

- ‌المسألة الخامسة[في تعدد الاستثناءات]

- ‌المسألة السادسةفي أن الاستثناء المذكور عقيب الجمل الكثيرة المعطوفة بعضها على بعض هل يعود إليه بأسرها [أم يختص بالأخيرة

- ‌الفصل الثانيفي التخصيص بالشرط

- ‌المسألة الأولىفي تعريفه

- ‌المسألة الثانية[في أوان وجود المشروط إذا كان موقوفا على الشرط فقط]

- ‌المسألة الثالثة

- ‌المسألة الرابعة[في أقسام الشرط والمشروط باعتبار التعدد والاتحاد]

- ‌المسألة الخامسةاتفقوا على وجوب اتصال الشرط بالكلام لا نعرف في ذلك خلافا

- ‌المسألة السادسة[في تقديم الشرط وتأخيره]

- ‌الفصل الثالثفي التخصيص بالغاية

- ‌الفصل الرابعفي التخصيص بالصفة

- ‌الفصل الخامسفي التخصيص بالأدلة المنفصلة

- ‌المسألة الأولى[في التخصيص بدليل العقل]

- ‌المسألة الثانية[التخصيص بالحس]

- ‌المسألة الثالثةيجوز تخصيص الكتاب بالكتاب عند عامة أهل العلم

- ‌المسألة الرابعة[تخصيص السنة بالسنة المساوية]

- ‌المسألة الخامسة[في تخصيص الكتاب بالسنة المتواترة]

- ‌المسألة السادسة[تخصيص الكتاب بخبر الواحد]

- ‌المسألة السابعةفي بناء العام على الخاص

- ‌المسألة الثامنةفي أنه يجوز تخصيص كتاب الله تعالى والسنة، بالإجماع

- ‌المسألة التاسعةفي أن تخصيص الكتاب والسنة هل يجوز بفعل الرسول أم لا

- ‌المسألة العاشرةإذا فعل واحد بحضرة الرسول فعلا، يخالف مقتضى العموم، وهو عليه السلام غير ذاهل عنه ولم ينكر عليه، دل ذلك على أنه مخصوص من ذلك العام، إن كان ذلك قبل حضور وقت العمل به

- ‌المسألة الحادية عشرة[التخصيص بمفهوم الموافقة]

- ‌المسألة الثانية عشرة[في حكم تخصيص عموم الكتاب والسنة والمتواترة بالقياس]

- ‌الفصل السادسفيما ظن أنه من مخصصات العموم مع أنه ليس كذلك

- ‌المسألة الأولى[في حكم عطف الخاص على العام]

الفصل: ‌المسألة السادسة[العام المخصوص حقيقة في الباقي أو مجاز]

بحيث لا يبقى من مدلوله شيء ولو اعتبر ذلك نسخا مع دلالته على بعض مدلوله، لكان حمل اللفظ على المجاز الخارج عن مسماه أولى أن يكون نسخا، فوجب أن لا يقبل فيه إلا ما يقبل في النسخ، لكنه باطل وفاقا.

‌المسألة السادسة

[العام المخصوص حقيقة في الباقي أو مجاز]

اختلفوا في أن العام المخصوص، هل هو حقيقة في الباقي أو هو مجاز؟.

فذهب جمهور أصحابنا، والمعتزلة كأبي على، وأبي هشام: إلى أنه مجاز كيف كان المخصص، وهو اختيار عيسى بن أبان من الحنفية.

ص: 1471

وذهب جمهور الحنفية، والحنابلة، وكثير من أصحابنا، إلى أنه حقيقة كيف كان المخصص.

ومنهم من فصل وذكر فيه وجوها:

أحدها: أن المخصص إن كان مستقلا، سواء كان عقليا كالدليل الدال على أن غير القادر مراد من الخطاب في العبادات، أو لفظي، كما إذا قال المتكلم بالعام: أردت به البعض الفلاني فهو مجاز، وإن لم يكن مستقلا كالاستثناء كما إذا قال: من دخل داري أكرمته إلا زيدا، والشرط نحو أن يقول: من دخل داري أكرمته "إن أهدى إلي" والتقييد بالصفة مثل أن يقول: من دخل داري [من الطوال أكرمته، فهو حقيقة.

ص: 1472

والتقييد بالغاية: وإن لم] يذكروه في هذا المقام حكمه حكم أخواته من المتصلات ظاهرا، إذ لا يظهر فرق بينهما على هذا الرأي، وهو اختيار الكرخي، وأبي الحسين البصري، والإمام منا.

وثانيها: أنه إن خص بالشرط أو الاستثناء فهو حقيقة، وإلا فهو مجاز "حتى" في الاستثناء. وهو مذهب القاضي عبد الجبار من المعتزلة.

ونقل بعضهم عنه: أنه إن خص بدليل منفصل فهو حقيقة وإلا فهو مجاز.

ص: 1473

وكلامه في "العمدة" يدل على أنه اختار أنه مجاز كيف كان المخصص فلعله اختار ما نقل عنه في غيره.

ورابعها: أنه إن خص بدليل لفظي سواء كان متصلا أو منفصلا، فهو حقيقة وإلا فهو مجاز.

وخامسها: أنه بقى بعد التخصيص جمع، فهو حقيقة فيه وإلا فهو مجاز، وهو مذهب أبي بكر الرازي من أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه.

وكلام الشيخ الغزالي صريح في أنه لا خلاف في أن هذا مجاز.

ص: 1474

وسادسها: أنه حقيقة في تناول ما بقى، مجاز في الاقتصار عليه، وهو اختيار إمام الحرمين رحمه الله تعالى.

والحق هو مذهب الأولين:

والدليل عليه/ (234/أ)، أن اللفظ حقيقة في الاستغراق فقط، على رأي المعممين، والكلام في أن العام المخصوص، هل هو حقيقة أو مجاز إنما هو على رأيهم.

وأما على رأي الواقفية وأرباب الخصوص والقائلين بالاشتراك: فغير متصور.

وإذا كان كذلك كان استعماله في غير ما وضع له، فيكون مجازا سواء كان الدليل الدال على ذلك لفظيا متصلا كان أو منفصلا، أو عقليا، إذ لا معنى للمجاز: إلا استعمال اللفظ في غير ما وضع له لملاحظة بينه وبين ما وضع له.

وهذا المعنى لا يختلف باختلاف الدليل المبين له، وهو غني عن مزيد كشف وبيان. فإن قلت: لم لا يجوز أن يقال: العام وحده حقيقة في الاستغراق، ومع القرينة "المخصصة لفظية كانت أو عقلية حقيقة فيما عدا المخصوص؟.

ص: 1475

سلمنا: أن مع القرينة" العقلية ليس بحقيقة فيه، لكن لم لا يجوز أن يكون مع القرينة اللفظية سواء كانت متصلة أو منفصلة حقيقة فيه؟.

وهذا لأن دلالتهما وضعية، فأمكن أن يقال: إن مجموعهما حقيقة في ذلك الباقي.

سلمنا: أنه ليس بحقيقة مع القرينة اللفظية المنفصلة، فلم لا يجوز أن يكون حقيقة مع المتصلة سواء كانت شرطا أو استثناء أو صفة؟.

وهذا لأن العام مع القرائن المتصلة من الاستثناء، والشرط، والتقييد بالصفة، تصير كلاما واحدا آخر مركبا من ذلك العام والقرينة المتصلة مستقلا بنفسه غير العام وما معه بدون تلك القرائن مفيدا لذلك البعض الباقي فقط، إذا لو أفاد غيره معه لم تكن تلك القرائن مفيدة، وإذا لم يفد غيره معه استحال أن يقال: إنه مجاز فيه، إذ المجاز ما يكون من الكلام مصروفا عن الغير إليه، بل المجموع المركب من العام والاستثناء والشرط والتقييد بالصفة دال عليه، ودلالة المركب على معناه ليس بمجاز سواء كان التركيب بين كلمتين مفهمتين، أو بين كلمة وحرف غير مفهم "كمسلم" و"مسلمين" و"رجل"، والرجل وهذا الاحتمال يظهر جدا في الاستثناء، إذ المستثنى والمستثنى منه وحرف الاستثناء كالكلمة الواحدة عندنا: فمعنى قوله تعالى: {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} على هذا، فلبث فيهم تسع مائة وخمسين/ (234/ب) عاما من غير فرق إلا في التركيب والبساطة، ومعلوم أن ذلك ليس بمجاز فكذا هذا.

سلمنا: أن ما ذكرتم يدل على أنه مجاز فيه، لكن عندنا: ما

ص: 1476

يدل على أنه حقيقة فيه، وذلك لأن اللفظ كان متناولا له على سبيل الحقيقة، فخروج غيره منه لا يؤثر في صيرورته مجازا فيه.

الجواب عن الأول من وجهين:

أحدهما: أن ما ذكرتم من الاحتمال يقتضي رفع المجاز بالكلية، لأنه لا لفظ يدعي أنه مجاز في معنى، إلا ويمكن أن يقال: إنه وحده حقيقة في معنى، ومع القرينة فيما ادعى أنه مجاز فيه، والكلام في أن العام المخصوص مجاز أم لا "فرع" ثبوت أصل المجاز فلا يسمع في هذا المقام ما يرفع أصله فإن اعتبر هذا الاحتمال بالنسبة إلى استعمال اللفظ في بعض ما وضع له دون المجاز الخارجي كان ذلك تحكما محضا لا يخفي فساده.

وثانيهما: أن دلالة القرينة العقلية ليست وضعية، فلا يمكن أن يقال إن المجموع اللفظ العام أو لقرينة كيف كان حقيقة في ذلك البعض، لأن الحقيقة والمجازية من عوارض الألفاظ دون الأدلة العقلية وفاقا.

وعن الثاني: أنه يقتضي رفع المجاز الخارجي الذي مبينه قرينة لفظية منفصلة، لأن الاحتمال المذكور بعينه قائم فيه لكن لم يقل به أحد من الأمة، فإن الأستاذ أبا إسحاق- رحمه الله تعالى- أنكر المجاز مطلقا وغيره أثبته مطلقا سواء كانت قرينة لفظية أو عقلية.

"فأما الفصل بين القرينة اللفظية المستقلة وبين العقلية" في المجاز

ص: 1477

الخارجي لم يقل به أحد من الأمة.

وعن الثالث: قلنا: أما الدليل على أنه ليس بحقيقة فيما بقى، وإن كان مع القرينة المتصلة، فيما سبق في الاستدلال من أنه يختلف ما هو المعنى من المجاز بسبب اختلاف دليل المبين له.

وأما قوله: في الدلالة عليه أنه يصير مع القرائن المتصلة كلاما واحدا إلى آخره فمسلم: لكن بحيث يتغير بسبب تلك القرينة المتصلة مدلول العام من الكلية إلى البعضية أو لا بهذه الحيثية.

والأول مسلم: وهو اعتراف بالمجازية.

والثاني: ممنوع، وهذا لأن من الظاهر أن قبل تلك "الزيادة" التي هي القرينة المتصلة كان العام وما معه كلاما تاما دالا على جميع أفراده وبعدها/ (235/أ) وإن كان أيضا كلاما تاما غير الأول لكنه دال على بعض افرداه معين لمدلوله من الكلية إلى البعضية بخلاف قولك:"مسلم" و"مسلمون" و"رجل" و"الرجل" وبخلاف قولك: "الرجال قاموا" لا يتغير في هذين المثالين مدلول الأول بسبب الزيادة من الكلية إلى الجزئية فلا جرم ليسا من المجاز من شيء.

وأما قوله: فهذا الاحتمال يظهر جدا في الاستثناء إلى آخره فهو أيضا: باطل لأنا نقطع أن دلالة قوله تعالى: {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} على تسع مائة وخمسين بطريق إخراج الخمسين من الألف، فعلى هذا تعين أن يقال: الألف تدل على الألف، والخمسون على الخمسين، وإلا على معنى الإخراج إذ ليس فيه ما يمكن إحالة معنى النفي إليه إلا إليها ومعرفة الباقي إنما هو بالحساب لا بصراحة اللفظ.

ص: 1478

وأما دلالة قوله: تسع مائة وخمسين على تلك المدة، فليست بطريق الإخراج، بل بالضم وعطف أحد الاسمين على الآخر، وليس يفهم منه معنى الإخراج فقط، فكيف يكون أحدهما عين الآخر؟.

وعن الرابع: أنه إن عني بقوله: إن اللفظ كان متناولا له على سبيل الحقيقة أنه كان متناولا له فقط على سبيل الحقيقة فممنوع، وهذا لأنه كان متناولا له وللمخصوص على سبيل الحقيقة.

وإن عني به أنه كان متناولا له ولغيره على سبيل الحقيقة فمسلم، لكن لا نسلم أن خروج غيره عن الإرادة لا يؤثر في صيرورته مجازا في الباقي، وهذا لأنه يصير إذ ذاك من باب إطلاق اسم الكل على الجزء، ثم هو منقوص بما إذا بقى واحد على ما نقله الشيخ الغزالي رحمه الله تعالى.

واحتج من قال: بالتفصيل بين القرينة المتصلة وبين القرينة المنفصلة: بما سبق من أن اللفظ العام مع القرينة [المتصلة] يصير كاللفظ الواحد الدال على ذلك الباقي، ومع القرينة المنفصلة سواء كانت لفظية أو عقلية وإن كان لا تدل إلا على ذلك الباقي، ومع القرينة المنفصلة سواء كانت لفظية أو عقلية وإن كان لا تدل إلا على ذلك الباقي لكن لا يصير الكلام معه كاللفظ الواحد، بل هما كلامان مستقلان، وقد عرفت جوابه.

وأما من قال: أنه حقيقة كيف كان المخصص، أو مع المخصص

ص: 1479

اللفظي كيف كان متصلا أو منفصلا، فقد عرفت مأخذهما أيضا مع جوابهما فيما سبق.

وأما من قال: بالتفصيل بين الاستثناء والشرط وبين الصفة فقد احتج/ (235/ب) في الاستثناء بما سبق.

وفي الشرط: بأنه لم خرج من مدلول اللفظ العام شيئا، بل هو باق على حاله، وإنما تقيد الحكم ببعض أحوال مدلول اللفظ العام ألا ترى أنك لو قلت: أكرم الناس إن أكرموك، فإنك بسبب التقييد بالشرط لم يخرج أحدا من الناس، بل قيدت الإكرام بحالة إكرامهم دون حالة عدم الإكرام، وليس لفظ الناس عاما بالنسبة إلى أحوالهم، حتى يلزم من خروج بعض الأحوال تخصيصه، وكذلك القول في اللفظ "أكرم" والمأخذان مفقودان في الصفة، فإنك تخرج من مدلول اللفظ العام فيها من لم يتصف بتلك الصفة.

وجوابه: أما عن الاستثناء فقد سبق، وأما عن الشرط فهو أنه يلزم من خروج بعض الأحوال، خروج بعض مدلولات اللفظ العام عنه، ضرورة أن الأفراد التي لم تأت بذلك الشرط غير مراده من اللفظ، فمن لم يكرم من الناس غير مراد من لفظ الناس في المثال المذكور.

واحتج القاضي: على ما نقل عنه في الرواية الثانية: بأن الدليل المتصل أبطل

ص: 1480

دلالة اللفظ على الاستغراق في جميع الأزمان على وجه البيان فجعل مجاز.

وأما المنفصل: فلأنه إنما أبطل دلالته في بعض الأزمان على وجه المعارضة فلا يكون مجازا. وضعفه لا يخفى على من له أدنى فطانة.

ويمكن أن يحتج له على ما حكي عنه في الرواية الأولى مع بعده: بأن الاستثناء يخرج الفرد بالذات وبصراحة اللفظ، وكذلك القرائن المنفصلة اللفظية، بخلاف الشرط "والصفة" فإنهما يخرجان بالفرض والالتزام، كما عرفت ذلك في الشرط، وخروج الشيء عن أن يكون مرادا بالخطاب بالفرض، كما في موت المكلف قبل وقت العمل بالخطاب لا يقدح في عموم الخطاب، وهذا إنما يستقيم على رأيهم: فإنهم يجوزون تأخير بيانه عن وقت الخطاب بالعام، ولو كان ذلك تخصيصا لما جاز تأخير بيانه، كما في سائر التخصيصات.

وأما نحن فلا نسلم أن هذا ليس بتخصيص، ولا يمكن أن يستدل به علينا، لأنا نجوز تأخير بيان التخصيص عن وقت الخطاب.

وأما من ذهب إليه أبو بكر الرازي، فقيل: أنه مبني على أنه أهل يشترط في العموم الاستيعاب أم يكتفي فيه بالجمع؟

فإن قيل: بالثاني: فهو حقيقة، لأنه بقى جمع.

وإن قيل بالأول: فهو مجاز.

ص: 1481

وهذا البناء/ (236/أ) ضعيف، لأن الذي لم يشترط الاستيعاب في العموم يشترط كثيرة غير منحصرة عادة، ولا يكفي بأقل الجمع وإلا لم يبق فرق بينه وبين المنكرين له، فإن أرباب الخصوص أيضا ينزلون اللفظ الجمع على أقل الجمع، والاختلاف في شرط العموم فرع القول بالعموم، بل هو ابتداء خلاف جار على القولين.

وإن كان هذا القائل: يجعل اللفظ عند عراية عن القرينة المخصصة حقيقة في العموم ومع القرينة المخصصة إلى أقل الجمع حقيقة فيه ولم يجعله حقيقة في الأقل منه، وإن كان مع القرينة المخصصة إليه لما فيه من إبطال دلالة وزان الصيغة كما تقدم، وهذا مع ضعفه إنما يستقيم في المجموع، أما ما ليس بجمع فلا.

وأما إمام الحرمين رحمه الله فقد احتج على ما ذهب إليه: بأن تناول

ص: 1482

اللفظ لما بقي من مسمياته ليس على وجه التجوز، بدليل أنه كان متناولا له على الحقيقة قبل التخصيص، وتناوله له بعد التخصيص، وتناوله "له" قبله لا اختلاف فيه من جهة احتياج اللفظ في الدلالة إلى أمر زائد، نحو القرينة وغيرها مع احتياج المجاز إليه في الدلالة على المعنى المجازي، لكن اختصاصه به وقصور الدلالة عليه، هو الذي حدث بعد التخصيص، وهو في هذا محتاج إلى أمر زائد، وهو أنه المجاز فكان مجازا من هذا الوجه.

وجوابه: أنا لا نسلم اتحاد التناولين، وهذا لأن التناول قبل التخصيص شرط الاستيعاب وبعده شرط عدمه والمشروط بشيء غير المشروط بعدمه، وحينئذ لا يلزم من كون التناول في الأول على وجه الحقيقة أن يكون في الثاني أيضا كذلك.

تنبيه: القائلون بالتفصيل بين المخصص المتصل والمنفصل: اختلفوا فيما إذا قال الله تعالى": {اقتلوا المشركين} فقال الرسول عليه السلام عقيبه إلا زيدا.

ص: 1483