الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية عشرة
[الخطاب المضاف إلى الناس وبني آدم يدخل تحته العبد والكافر]
الخطاب المضاف إلى الناس وبني آدم، وما يجري مجراهما في العموم يدخل تحته العبد والكافر عندنا: لأنهما من الناس وبني آدم حقيقة فكانا داخلين تحت الخطاب، إذ الأصل عدم المخصص.
وقال قوم: لا يدخل تحته العبد والكفار.
وهؤلاء إن زعموا أن اللفظ لا يتناولهم من حيث اللغة فهو جهالة، وإن زعموا أن اللفظ يتناولهم، لكن الرق والكفر في الشرع يخصصهم فهو أيضا: باطل، لأن الرق والكفر غير مانعين من إيجاب الأحكام على العبد والكافر
مطلقا، بدليل وجوب كثير من الأحكام عليهما، وتخلف المدلول عن الدليل خلاف الأصل، بل لو منعنا فإنما يمنعان من بعض الأحكام نحو الأحكام التي تتوقف على المالكية والإيمان فيكونان مخصصين لهما بالنسبة إلى ذلك البعض من الأحكام ونحن نقول بذلك: فإنه إذا دل دليل من خارج أن الكفر والرق مانعان من ثبوت حكم فإنا لا نقول اندراجهما تحت الخطاب الدال على ثبوت ذلك الحكم، أما الحكم بكونهما مانعين على الإطلاق فذلك غير جائز.
احتجوا بوجوه في العبد، إذ الكلام في الكافر ما سبق في الأوامر فلا حاجة إلى الإعادة.
أحدها: أن حقوق السادات مستغرقة لمنافع العبيد، لأن لهم استخدامهم في كل وقت، وذلك بمنعهم من الدخول تحت الخطاب.
فإن قلت: لا نسلم أن حقوقهم مستغرقة لمنافعهم، ولا نسلم: أن لهم استخدامهم في كل وقت حتى في وقت يتعين فيه فعل العبادة، بل إنما لهم ذلك إذا فرغوا من تكاليف الشرع.
قلت: الدليل عليه: أن الذي يدل على وجوب خدمة السيد من النص المناسب المقتضي لذلك "الرق"[أو غيرهما] لا إشعار له بوقت دون وقت، فلو خصصنا وجوب خدمة السيد ببعض الأوقات لزم تطرق التخصيص إليه، وأنه خلاف الأصل.
وجوابه: أنا لو لم نقل بتخصيصه لزم أيضا تطرق التخصيص إلى النصوص الدالة على وجوب تلك العبادات عليهم وعلى الأحرار، فلم كان هذا/ (224/ب) التخصيص أولى بالالتزام من ذلك التخصيص، وعليكم الترجيح، لأنكم المستدلون، ثم أنه معنا، وذلك لأن النصوص الدالة على وجوب العبادة كالخاص بالنسبة إلى الأدلة الدالة "على" وجوب خدمة السيد، لأن وجوب كل عبادة من الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات يخصه لفظ، وما دل على وجوب خدمة السيد ليس كذلك، لأن "كل" نوع من أنواع الخدمة ليس يخصه لفظ ولا للرق إشعار به على التخصيص وتخصيص الأعم بالأخص أولى من العكس، والأصل عدم مخصص آخر.
فإن قلت: ما ذكرتم من المرجح معارض بوجه آخر وهو: أن حق العبد مقدم على حق الله تعالى، لأنه مبني على الشح والتضيق، وحق الله تعالى على السهولة والترفق، ولذلك يقدم الدين على الزكاة على رأي.
قلت: لا نسلم أن حق العبد مقدم على حق الله تعالى عند التعارض والفوات، وأما كونه مبني على المسامحة والمساهلة فلا يدل عليه، لأن معناه: أنه شرع حق لله تعالى على نوع من اليسر "ولم يشرع حق العبد على ذلك النوع من اليسر نحو قبول الرجوع عن الإقرار في حدود الله" وعدم تتبع المحدود إذا هرب، بخلاف الرجوع عن الإقرار فيما يتعلق بحق العبد فإنه لا يقبل، وبخلاف ما إذا هرب في استيفاء حق
العبد فإنه يتبع لأنه عند التعارض والفوات مقدم على حق الله تعالى وتقديم الدين على الزكاة ممنوع على الآخرين من سلم انه مقدم لكن في البعض لا في الكل، فلم قلتم "إن" ما نحن فيه من ذلك البعض لا بد لهذا من دليل.
وثانيها: أن العبد يشبه البهائم، من حيث إنه مال للسيد يباع ويشترى وجناياته تضمن بما نقص من قيمته، والبهائم لا تدخل تحت خطاب التكليف فكذا هذا.
وجوابه: أن مشاركة الشيئين في بعض الأمور أو اللوازم لا توجب اشتراكهما في كلها، هذا إن ذكر بطريق الوجوب، وإن ذكر بطريق القياس فمع وضوح الفارق المناسب لا تصح الإضافة إلى ما ذكروه من الجامع.
وثالثها: وهو العمدة لهم أنا لو قلنا: بدخولهم تحت الخطاب فحيث لم يدخلوا، كما هو في كثير من الخطابات يلزم الترك بالدليل.
فلو قلنا: بعدم دخولهم فحيث دخلوا كان ذلك لدليل آخر، وترك مقتضي الدليل/ (255/أ) خلاف الأصل، وما يستلزم خلاف الأصل فهو أيضا خلاف الأصل، أما إثبات الحكم بدليل زائد ليس خلاف الأصل، فكان القول بعد دخولهم أولى.
وجوابه: أن دليلكم يقتضي عدم دخولهم تحت الخطاب، وذلك قد يكون بأن اللفظ لا يتناولهم، وقد يكون بأن الرق اللازم لهم يخصصهم: فإن كان مقصودكم من هذا الدليل عدم دخلوهم على الطريق وهو الظاهر من كلامكم فقد ذكرنا أن ذلك جهالة، ونزيد هنا إنا إنما نتكلم في هذه المسألة تفريعة على القول بالعموم، وما ذكرتم يرفعه فلا يسمع في هذا المقام.
وإن كان مقصودكم منه عدم دخولهم على الوجه الثاني، فالمحذور المذكور لازم عليكم أكثر مما لزمنا مع زيادة محذور آخر، وهو ترك مقتضى التخصيص حيث دخلوا فما هو جوابكم فهو جوابنا.