الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الحادية عشرة
[أقسام اللفظ بالنسبة إلى الدلالة على المذكر والمؤنث]
اعلم أن اللفظ بالنسبة إلى الدلالة على المذكر والمؤنث على أقسام أربعة:
أحدها: لفظ يختص بكل واحد منهما، ولا يطلق احدهما على الآخر بحال وهو كلفظ الرجال في المذكر، والنساء في المؤنث، فها هنا اتفقوا: على أن كل واحد "منهما" من المذكر والمؤنث لا يدخل تحت الخطاب الوارد باللفظ المختص بالآخر.
وثانيها: "لفظ" يتناولهما جميعا، إذ ليس لعلامة التذكير والتأنيث فيه مدخل بحال، وهو كلفظ الناس فها هنا اتفقوا: أيضا على أن كل واحد من المذكر والمؤنث يدخل تحته.
وثالثها: لفظ يشملهما جميعا وإن كان لعلامة التذكير والتأنيث فيه مدخلا جوازا وجوبا، وهو كلفظ "من" فها هنا ذهب الأكثرون أيضا إلى أنه يشملهما جميعا إن ورد مجردا من علامة التأنيث.
وأنكره بعض الحنفية.
ثم اعلم أن كلام إمام الحرمين "رحمه الله تعالى": يشعر بتخصيص الخلاف في "من" الشرطية.
والظاهر أنه يعمه والاستفهام فيه، والموصولة.
حجة الأكثرين: الإجماع على تعميمه في مثل قول الرجل: من دخل داري
من أرقائي فهو حر، فإنه يعتق عليه كل من دخل داره من عبيده وإمائه، وكذا في الوصية، والتعليق، والتوكيل.
احتجوا: بقول العرب: من، ومنه، و"منان" ومنتان، ومنون، ومنات، فصار كلفظ: مسلم، ومسلمة، ومسلمين، ومسلمات، وسيأتي إن ذلك لا يعم فكذا هذا.
وجوابه: أن هذا وإن كان جائزا، لكن لا يجب فإنهم اتفقوا: على أن الأصح استعماله فيهما من غير علامة.
ورابعها: لفظ يستعمل فيهما، لكن بعلامة التأنيث في المؤنس وبحذفها في المذكر وجوبا "وهو" كلفظ: مسلمين، ومسلمات، وقام
وقامت وقاما وقامتا وقاموا، و"قمن" فها هنا: اختلفوا فيه:
فذهبت الشافعية، وجمهور الحنفية، والشاعرة، والمعتزلة: إلى أن المؤنث لا يدخل تحت الخطاب الوارد به أن/ (223/أ) ورد مجردا من علامة التأنيث إلا قرينة منفصلة.
وذهب الحنابلة، والظاهرية، إلى أنه يشتملهما ظاهراً ولا يخرج
عنه المؤنث إلا المنفصل.
ثم إن كلام إمام الحرمين يشعر بتخصيص الخلاف في الخطابات الواردة في الشرع لقرينة غلبة المشاركات في الأحكام الشرعية.
واتفق الكل على أن المذكر، لا يدخل تحته إن ورد مقترنا بعلامة التأنيث.
احتج الأكثرون بوجوه:
أحدها: قوله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} الآية، عطفت المؤمنات على المؤمنين، فلو كان لفظ المؤمنين متناولا للمؤمنات، لكان ذلك من باب عطف الخاص على العام، ففائدته التأكيد لا غير ولو لم يكن متناولا، لكان ذلك من باب عطف المغاير على المغاير وفائدته التأسيس، وقد عرفت أن الحمل على الفائدة التأسيسية الأولى.
وثانيها: ما روي في سبب نزول ما تلونا من الآية وهو: أن
أم سلمة قالت رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن النساء قلن ما نرى الله ذكر إلا الرجال "فأنزل الله الآية المذكورة".
ولو كانت الآية متناولة لهن لما صح قولها: ما نرى الله ذكر إلا الرجال".
والتقرير عليه، لأن نفي ذكرهن مطلقا، يقتضي نفي ذكرهن ولو بالتضمن والالتزام، بدليل صحة تقسيمه إلى الثلاثة اللهم إلا أن يضمر فيه، ويقال: المراد منه: ما نرى الله ذكر على التخصيص إلا الرجال، لكنه خلاف الأصل.
وثالثها: ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها لما سمعت عن النبي عليه السلام يقول: "ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضؤون".
قالت: هذا للرجال فما للنساء؟ فلم يرد عليه السلام عليها السؤال بل أجاب، ولولا خروجهن عن الجمع المذكور، لما صح [السؤال] ولا التقرير عليه، وسؤال التخصيص ساقط بالكلية هنا، لأن سؤالها عن الوعيد، وذلك لا يختلف من أن يكون صريحا أو ضمنا.
ورابعها: وهو من الوجه المعقول: وهو أن الجمع تضعيف الواحد، وقولنا "مسلم" و"قام" لا يتناول المؤنث بالإجماع، فكذا "مسلمون" و"قاموا" لا يتناوله وإلا لم يكن تضعيفه.
وخامسها: أنا اجمعنا على أن مسلمين حقيقة في الجمع المذكر الصرف فلو كان حقيقة أيضا في الجمع المذكر والمؤنث لزم الاشتراك، وأنه خلاف الأصل.
احتجوا "بوجوه:"
أحدها: "أن أهل اللغة" قالوا: إذا اجتمع التذكير والتأنيث غلب التذكير، وعلى هذا ورد قوله تعالى:{اهبطوا} في خطاب ادم وحواء وإبليس.
وجوابه: أنه لا يلزم من صحة إرادة الشيء عن الشيء إرادته منه إذا ورد مطلقا من غير قرينة تدل على إرادته، فإن المجاز كله شأنه ما ذكرناه مع أنه لا يحتمل اللفظ عليه عند الإطلاق، فلا يلزم من صحة إرادة المذكر "والمؤنث من الجمع المذكر" على وجه التغليب للقرينة إرادته منه إذا ورد مطلقا.
أو نقول بعبارة أخرى: وهي أن اللازم مما ذكرتم أنه متى أراد معبر أن يعبر عن الفريقين بعبارة واحدة كان التعبير بالجمع المذكر متعينا إذ هو معناه، وهذا لا يقتضي أنه متى كان التعبير بالجمع المذكر كان المعبر عنه الفريقين إذ القضية الكلية لا يجب أن تنعكس كنفسها.
وثانيها: أن أكثر أوامر الشارع بخاطب المذكر، مع انعقاد الإجماع على أن النساء يشاركن الرجال في تلك الأحكام، فلولا دخولهن تحت تلك الأوامر لما كان الحكم ثابتا في حقهن إذ الأصل عدم دليل آخر.
وجوابه: أن ذلك لدليل نحو الإجماع، والقياس، وغيرهما، بدليل عدم دخولهن في كثير من الأحكام الثابتة بخطاب التذكير، نحو الجمعة والجماعة، والجهاد، وعيادة المريض، وزيارة القبور، فإن تخلف المدلول عن الدليل خلاف الأصل، ولو عورض بهذا الأصل، بما ذكروه من الأصل،
كان المقصود أيضا: حاصلا إذ يوجب سقوط ما ذكروه من الدليل، مع أن الحق عدم التعارض.
أما أولا: فلأن ما ذكروه من خلاف الأصل واقع لا محالة لوجود الدليل الآخر كما سبق.
وأما ثانيا: فلأن محذور ترك الدليل الشرعي أكثر.
وثالثها: أن الرجل من "أهل" اللسان، إذا سال أهل قرية أو حلة حين عبوره عليهم، فإنه يقول: كيف أنتم، وأنتم آمنون، ولم يقل: أنتم آمنون ونساؤكم آمنات، ولو قال "ذلك": لاستهجن منه، وذلك يدل على أن النساء يدخلن تحت قوله: أنتم آمنون.
وجوابه: أنه لا نزاع في دخولهن تحته، واستهجان السؤال عنهن ثابتا، لكن لا نسلم أن ذلك بدلالة لفظية، وليس فيما ذكرتم ما يدل على أنه بدلالة لفظية، بل ليس فيه إلا دخولهن تحته ونحن نقول به: لكن بدلالة معنوية: وهي أن أمن الرجال يستلزم الأمن من جميع المخاوف المتعلقة بهم/ (224/أ) من النفس والمال والنساء والأولاد والأتباع، فلو لم تكن النساء آمنات لما حصل الأمن للرجال، فلهذا كان الجواب عن أمن الرجال جوابا عن أمنهن أيضا.