الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة
[في تخصيص الكتاب بالسنة المتواترة]
يجوز تخصيص الكتاب بالسنة المتواترة، قولًا كان أو فعلًا بالإجماع لا نعرف في ذلك خلافًا، ولأنه وقع تخصيص الكتاب بالفعل.
فإنه خصص قوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} بما روي على التواتر من رجم ماعز.
والوقوع دليل الجواز وزيادة. ولما تقدم من الوجه المعقول.
وكذا يجوز تخصيص السنة متواترة كانت أو آحاد بالكتاب عند الأكثرين خلافًا لبعض الفقهاء والمتكلمين.
لنا: قوله تعالى: {ونزلنا عليك "الكتاب" تبيانا لكل شيء}
والسنة شيء من الأشياء، والتخصيص بيان فيكون الكتاب مخصصًا لها وما تقدم من الوجه المعقول.
فإن قلت: ظاهر الآية متروك، لأنه يقتضي أن يكون الكتاب تبيانًا لكل السنة، وكذا لكل الأشياء، ومعلوم أن كل السنة لا تحتاج إلى البيان، وكذا كل الأشياء، فلم يصح الاستدلال بها، إذ ليس بعض المجاز أولى من البعض.
سلمنا: صحة الاستدلال "بها" لكن ليس فيها ما يدل على عموم البيان، حتى يكون متناولا للتخصيص، فلعل المراد منه بعض أنواع البيانات.
سلمنا: ذلك لكنه معارض بنص آخر، وهو قوله تعالى:{لتبين للناس ما نزل إليهم} .
ووجه الاستدلال به، أنه عليه السلام جعل مبين الكتاب، وذلك إنما يكون بسنته، فلو كان الكتاب مخصصًا للسنة، لزم أن يكون المبين للشيء مبينًا به، وهو محال.
ولأن وصف الكتاب بكونه بيانا للسنة يوهم بالتبعية أن البيان تابع،
فوجب أن لا يجوز، لأن إيهام الباطل باطل.
قلت: نسلم أن ظاهره يقتضي التعميم، وأنه متروك وفاقًا، لكن لا يلزم من ترك تعميم النص لدليل ترك مقتضاه بالكلية، فإن العام إذا خص عنه بعض الأفراد يبقى في الباقي حجة على ما قررنا ذلك.
وقوله: ليس بعض المجازات أولى من البعض، ممنوع فإن الباقي بعد التخصيص أولى من المجاز الخارجي على ما عرفت ذلك في اللغات.
وعن الثاني: أن التقييد خلاف الأصل، فيتناول بإطلاقه التخصيص أيضًا.
وعن الثالث: من وجوه:
أحدها: أنا نمنع أن بيانه الكتاب المفوض إليه إنما هو بالنسبة، وهذا لأنا قد ذكرنا أن المراد من ذلك البيان، وهو الإبلاغ والإظهار، فلا يلزم من كون الكتاب مبينا للسنة بمعنى إزالة الإشكال، وكون النبي عليه السلام مبينًا للكتاب بالمعنى المذكور أن يكون كل واحد من الكتاب والسنة مبينا للآخر.
وثانيها: أنا نسلم أن المراد من ذلك البيان هو البيان المتعارف، لكن نقول: إن كل القرآن/ (259/ ب) لا يحتاج إلى ذلك البيان، بل بعضه.
وإذا كان كذلك فلا امتناع في أن يبين ذلك البعض من الكتاب بالسنة التي لا تحتاج إلى البيان، وبين السنة بالكتاب التي تحتاج إليه، وحينئذ لا
يلزم ما ذكرتم من المحذور
وثالثها: أن قوله: {ما نزل إليهم} يتناول السنة أيضًا، بدليل قوله تعالى:{وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} لكن منه ما يتلى وهو الكتاب، ومنه ما لا يتلى وهو السنة، وإذا كان كذلك تعين أن يكون بيان ما نزل إليهم، إنما هو بما نزل إليهم إذ ليس ما يستفاد منه عليه السلام إلا الكتاب والسنة، فجاز أن يبين السنة بالكتاب، كما جاز عكسه إذ ليس في النص ما يدل على امتناع أحد القسمين على الخصوصية دون الآخر.
وفيه نظر لا يخفى عليك.
وعن الرابع: بمنعه وهذا لأن الله تعالى وصفه بكونه تبيانًا لكل شيء في معرض المدح له، فلو كان كونه بيانا لغيره يوهم بالتبعية لما كان صفة مدح.
سلمنا: ذلك لكن الإيهام زائل بما علم من كون القرآن أصلا غير تابع لكل ما يقع بيانا له، وهو أقل رتبة منه.